المقام إلّا عدم كون الماء مؤثّرا في تنجيسه ، وأمّا عدم نجاسة الماء فلا ، إلّا أن يقال : إنّ الالتزام بنجاسة الماء يستلزم التصرّف في جميع الأدلّة الدالّة على عدم جواز استعمال الماء النجس في المأكول والمشروب والوضوء والصلاة وغيرها ممّا يشترط بالطهارة ، لثبوت نفي البأس عن الكلّ ولو بالإجماع ، وهذا بخلاف ما لو التزمنا بطهارة الماء ، فإنّه لا يستلزم التصرّف إلّا فيما دلّ على انفعال الماء القليل بالنسبة إلى ماء الاستنجاء ، وهذا أهون من الأول.
هذا مع إمكان أن يقال : إنّ عدم تنجيس الملاقي أمارة عند المتشرّعة لإثبات عدم النجاسة لو لا العلم بتحقّقها من دليل خارجي ، وحيث إنّ نجاسة الماء في الفرض غير معلومة ، إذ لا دليل عليها عدا عموم انفعال الماء القليل الواجب تخصيصه بهذه الأمارة ، لأخصّيتها منه ، فيجب الحكم بطهارة الماء ، ولذا نجد من أنفسنا انسباق طهارة الماء إلى الذهن من هذه الرواية ، كما استدلّ بها غير واحد من الأعلام ، بل يمكن دعوى استفادة الطهارة أيضا من رواية محمّد بن نعمان الأخيرة ، لأنّ البأس الذي يتوهّمه السائل في مثل هذه الموارد ليس إلّا نجاسة الثوب الملاقي للماء ، فحيث نفى البأس عنه يفهم منه عرفا طهارته ، ولذا استمرّ سيرة العلماء في إثبات الطهارة بنفي البأس في مثل هذه الموارد ، أو إثبات النجاسة بثبوت بأس في الجملة ، كالمنع من الوضوء أو الصلاة أو الأكل والشرب.
وسرّه ما أشرت إليه من أنّ منشأ توهّم البأس في تلك الموارد ليس إلّا احتمال نجاسته ، فحيثما نفاه يعلم عدمها ، وإطلاق نفي البأس عنه