إطلاق كلامهم : أنّه بمنزلة الجاري ليس لبيان عدم اشتراط الكرّية في المادّة ، بل قد عرفت عن الحدائق أنّ اشتراط كرّية المادّة هو المشهور بين الأصحاب ، فكيف يمكن استكشاف عدم الاشتراط من إفرادهم له بالذكر ، أو إطلاق قولهم : إنّه بمنزلة الجاري! وكيف كان فالمتّبع إنّما هو ظواهر الأدلّة.
فنقول : قد يستدلّ بإطلاق قوله عليهالسلام : «ماء الحمّام كماء النهر وأنّه بمنزلة الجاري» وأنّه : «لا بأس به إذا كان له مادّة» على اعتصامه مطلقا ، وعدم اشتراطه بالكرّية لا في الدفع ولا في الرفع ، إلّا أن يثبت الإجماع على اعتبارها في الرفع ، أو على بلوغ المجموع كرّا في الدفع أيضا.
وفيه : أنّ الإطلاقات منزّلة على ما هو المتعارف ، ومن المعلوم أنّ الماء الموجود في المادّة بمقتضى العادة في الحمّامات التي يتعارف استعمالها حال الاستعمال أزيد من عشرين كرّا فضلا عن كرّ واحد ، كيف مع أنّ وضع الحمّامات المتعارفة إنّما هو على وجه لو أضيف إلى الماء الموجود في موادّها لدى الحاجة كرّا وأزيد لا يؤثّر في تبريد مائه.
ومن قال بأنّ زيادتها على الكرّ إنّما تتعارف في أوائل الأخذ في الاستعمال ، وأمّا بعده فلا ، فكأنّه غفل عن وضع الحمّام وبناء الحمّامي ، وتخيّل أنّ مادّة الحمّام كالمنابع المصنوعة لتطهير الحياض ونحوه ، فيمتلئونها تارة ويفرغونها اخرى ، وغفل عن أن وضع الحمّام على أن يكون في خزانته بالفعل مقدار من الماء يفي بقضاء حاجة عامّة أهل البلد لو احتاجوا إليه ، والحمّامي لا زال يراقب أمرها بحيث لو نقص من مائه