يتوارد عليه هذه النجاسات بيان وجه الاعتصام تقريبا لأذهانهم ، فكأنّه عليهالسلام قال في جوابهم : كما أنّ ماء النهر والجاري لا يفسده توارد مثل هذه الأمور ، لاتّصاله بماء طاهر قاهر فكذا ماء الحمام ، فهذه التقريبات إنّما تؤثّر في رفع ما اختلج في أذهانهم من الريبة في خصوص الحمّام ، لا أنّه يستفاد منها أنّ لماء الحمام من حيث كونه في الحمّام حكما خاصّا تعبّديا.
هذا ، مع أنّه قد يقال : إنّ إطلاق تنزيله منزلة الجاري والنهر ـ مع قطع النظر عن بعد إرادة الخصوصية في خصوص المورد ـ يقتضي عموم المنزلة ، أي : التشبيه التام ، ومقتضاه أن تكون علّة اعتصامه تقويه بالماء الطاهر القاهر الذي يخرج عن مادّته ، بل قوله عليهالسلام : «يطهّر بعضه بعضا» كالتصريح بأنّ علّة الاعتصام اتّصال بعضه ببعض ، وهذا ينافي مدخلية الخصوصية.
هذا ، مضافا إلى أنّ المناسبة بين عاصمية المادّة وكثرة الماء بانضمام بعضه إلى بعض وبين عدم الانفعال تجعلهما من الوجوه الظاهرة التي ينصرف إليها التشبيه ولو لم نقل بعموم المنزلة.
وقد يتوهّم أنّ مقتضى التشبيه بالجاري اعتبار الكرّية في مادّته حتى تكون عاصمة لنفسها ، كما في الجاري ، فيتمّ التشبيه.
وفيه نظر ، لأنّ التشبيه إنّما وقع بين الماءين والأحكام اللاحقة لمادّتهما حيث هي خارجة عن طرفي التشبيه.
وبإزاء هذا التوهّم توهّم أنّ مقتضى التشبيه التامّ عدم اعتبار كرّية المادّة ، كما في الجاري ، أو كفاية بلوغ المجموع كرّا في الدافعية ، كما في النهر.