وقد عرفت دفعه : بأنّ المشبّه إنّما هو المياه الموجودة في الحمّامات المتعارفة ، فكريّة المادّة مأخوذة في مهيّة المشبّه ، فلا يراد من التشبيه نفي اعتبارها ، بل قد يقال : إنّ غزارة الماء وكثرته ولو بالاستعداد الذاتي ـ كما في الجاري ـ معتبرة في مفهوم المادّة.
وأمّا التشبيه بالنهر فلا يقتضي إلّا كون بعض ماء الحمّام كبعض ماء النهر علّة لاعتصام بعضه ، وأمّا أنّ أيّ مقدار من البعض يكون كافيا في الاعتصام على تقدير انفصاله عن سائر الأجزاء فهو أمر فرضي لا مدخلية له بجهات المشبّه به ، كما لا يخفى على المتأمّل.
وكذا يظهر من تعليق نفي البأس عن ماء الحمام ـ في رواية بكر بن حبيب (١) ـ على وجود المادّة : علّيتها للاعتصام ، لا لظهور القضية الشرطية في كون الشرط سببا منحصرا للجزاء ، ضرورة أنّ الشرطية لا تدلّ إلّا على سببيّة خصوص الشرط لجزائه لا سببيّة نوع الشرط لنوع الجزاء ، فقولك :إن جاءك زيد فأكرمه ، لا يدلّ إلّا على سببيّة مجيء زيد لإكرامه لا مجيء كلّ أحد لإكرامه ، بل لما أشرنا إليه من أنّ وجود المادّة للحمّامات التي يتعارف الاستعمال من حياضها الصغار من لوازم مهيّتها ، فلا يراد من الشرطية تعليق الحكم على وجود الشرط ، فهي إمّا مسوقة لبيان اشتراط الاتّصال بالمادّة ، كما وجّهنا به عبارة العلماء ، أو أنّها مسوقة لبيان علّة الحكم ، نظير ما لو كانت عالميّة زيد عندك وعند المخاطب مسلّمة ، فتقول : زيد يجب إكرامه إذا كان عالما ، فإنّ المتبادر من هذا الكلام في
__________________
(١) تقدّمت الإشارة إلى مصادرها في صفحة ٦١ ، الهامش (٢).