أترى أنّ أهل البلاد التي يتعارف عندهم استعمال ماء الحمام بحيث صار طهارته واعتصامه مغروسا في أذهانهم ، هل يخطر ببال عوامهم انقلاب الحكم لو انهدم سقف الحمّام بحيث ارتفع عنه اسم الحمّامية وبقي مع ذلك ماؤه على ما كان عليه كمّا وكيفا؟
هذا ، مع أنّه لم يبلغهم إلّا أنّ ماء الحمّام لا ينجّسه شيء ، فكيف لو ضمّ إليه سائر الفقرات المذكورة في الأخبار المشعرة بعلّية تكاثر الماء من المادة ، أو الظاهر فيها ، كتعليق عدم الانفعال على وجود المادّة ، أو التصريح بأنّه حال جريه من المادّة بمنزلة الجاري ، وأنّه مثل ماء النهر يطهّر بعضه بعضا ، فلا يبقى حينئذ مجال احتمال مدخلية الوصف العنواني في موضوعية الموضوع.
وممّا يؤيّد ذلك بل يدلّ عليه : تعليل طهارة ماء البئر في صحيحة ابن بزيع (١) بالمادّة ، إذ الظاهر أنّ إطلاقها على مادّة الحمّام والجاري ليس على سبيل الاشتراك ، بل المناط في الصدق بحسب الظاهر كون المنبع مستعدّا للجري استعدادا ذاتيّا ، كما في الجاري ، أو عرضيا ، كما في مادّة الحمّام ، فتأمّل.
ويؤيّده أيضا : عدم معروفية الخلاف في تقوّي السافل بالعالي الكرّ ، بل عن غير واحد دعوى الاتّفاق عليه ، بل يظهر من بعض كونه من المسلّمات عندهم.
وكيف كان ، فلا ينبغي الإشكال في ذلك ، وإنّما الإشكال في كفاية
__________________
(١) تقدّمت الإشارة إلى مصادرها في صفحة ٣٦ ، الهامش (٢).