ودفعهم عمّا غُلِبُوا عليه من ديار مصر ، والشام والحرمين حتى اشتهر ذلك ببغداد ، وأسجل القضاة بنفيهم من نسب العلويين ، وشهد بذلك من أعلام الناس جماعة منهم الشريفان الرضي والمرتضى (١) وأبو حامد الاسفرائيني والقدوري في عدّة وافرة عندما جمعوا لذلك في سنة اثنتين وأربعمائة أيام القادر.
وكانت شهادة القوم في ذلك على السماع لما اشتهر ، وعرف بين الناس ببغداد وأهلها من شيعة بني العباس ، الطاعنون في هذا النسب ، والمتطيّرون من بني علي ابن أبي طالب ، الفاعلون فيهم منذ ابتداء دولتهم الأفاعيل القبيحة ، فنقل الأخباريون وأهل التاريخ ذلك كما سمعوه ، ورووه حسب ما تلقوه من غير تدبّر ، والحقّ من وراء هذا.
وكفاك بكتاب المعتضد من خلائف بني العباس حجة ، فإنّه كتب في شأن عبيد الله إلى ابن الأغلب بالقيروان وابن مدرار بسجلماسة (٢) بالقبض على عبيد الله ، فتفطّن ـ أعزك الله ـ لصحّة هذا الشاهد ، فإنّ المعتضد لولا صحّة نسب عبيد الله عنده ما كتب لمن ذكرنا بالقبض عليه ، إذ القوم حينئذٍ لا يَدْعون لِدعيّ البتة ولا يذعنون له بوجه ، وإنّما ينقادون لمن كان علويّاً ، فخاف ممّا وقع ، ولو كان عنده من الأدعياء ، لما مرّ له بفكر ولا خافه على ضيعة من ضياع الأرض.
وإنّما كان القوم ، أعني : بني علي بن أبي طالب ، تحتَ ترقّب الخوف من بني العباس لتطلّبهم لهم في كلّ وقت ، وقصدهم إيّاهم دائماً بأنواع من العقاب ، فصاروا ما بين طريد شريد ، وبين خائف يترقّب ، ومع ذلك فإنّ لشيعتهم الكثيرة المنتشرة في أقطارهم من المحبة لهم ، والإقبال عليهم ما لا مزيد عليه ، وتكرّر قيام
______________________
١. سيوافيك كلام الرضي الذي نقله ابن أبي الحديد في شرحه.
٢. سجلماسة مدينة انشئت سنة ١٤٠ هـ ، وتقع في محلة تافيلات اليوم في طرف صحراء المغرب على بعد حوالي ٣٢٥ كلم إلى الجنوب الشرقي لمدينة فاس ، عمرها بربر مكناسة ، ولمّا تولّاها اليسع بن سمغون المكناسي أحاطها بسور وبنى بها عدّة مصانع وقصور ، وقد استمر عمران هذه المدينة إلى القرن العاشر الهجري. ( دولة التشيع في بلاد المغرب : ١٠٩ ).