الرجال منهم مرّة بعد مرّة والطلب عليهم من ورائهم ، فلاذوا بالاختفاء ولم يكادوا يُعْرفُون ، حتى تسمّى محمد بن إسماعيل الإمام جدُ عبيد الله المهدي بالمكتوم ، سمّاه بذلك الشيعة عند اتّفاقهم على إخفائه ، حذراً من المتغلّبين عليهم ، وكانت الشيعة فرقاً.
فمنهم من كان يذهب إلى أنّ الإمام من ولد جعفر الصادق هو إسماعيل ابنه ، وهؤلاء يعرفون من بين فرق الشيعة بالإسماعيلية من أجل انّهم يرون أنّ الإمام من بعد جعفر ابنه إسماعيل ، وانّ الإمام بعد إسماعيل بن جعفر الصادق هو ابنه محمد المكتوم ، وبعد ابنه محمد المكتوم ، ابنه جعفر الصادق (١) ، ومن بعد جعفر الصادق ، ابنه محمد الحبيب ، وكانوا أهل غلو في دعاويهم في هؤلاء الأئمّة.
وكان محمد بن جعفر هذا يؤمل ظهوره وانّه يصير له دولة ، وكان باليمن من أهل هذا المذهب كثير بعدن وبإفريقية وفي كتامة ونفره ، تلقوا ذلك من عهد جعفر الصادق ، فقدم على محمد ( الحبيب ) بن جعفر والد عبيد الله رجل من شيعته باليمن فبعث معه الحسن بن حوشب في سنة ثمان وستين ومائتين ، فأظهرا أمرهما باليمن ، وأشهرا الدعوة في سنة سبعين ، وصار لابن حوشب دولة بصنعاء ، وبثّ الدعاة بأقطار الأرض ، وكان من جملة دعاته أبو عبد الله الشيعي ، فسيّره إلى المغرب فلقي كتامة ودعاهم ، فلمّا مات محمد ( الحبيب ) بن جعفر عهد لابنه عبيد الله فطلبه المكتفي العباسي وكان يسكن عسكر مكرم ، فسار إلى الشام ، ثمّ سار إلى المغرب فكان من أمره ما كان ، وكانت رجال هذه الدولة الذين قاموا ببلاد المغرب وديار مصر أربعة عشر رجلاً.
هذه خلاصة أخبارهم في أنسابهم ، فتفطّن ولا تغتر بزخرف القول الذي لفّقوه من الطعن فيهم ، والله يهدي من يشاء. (٢)
______________________
١. كان التعبير بالمصدَّق.
٢. المقريزي : الخطط : ١ / ٣٤٨ ـ ٣٤٩.