الثالث : أنّ المذهب الإسماعيلي ، لم يكن في بدء ظهوره مذهباً منسقاً ، وإنّما تكامل حسب مرّ السنين ، نتيجة احتكاك الدعاة مع أصحاب الفلسفة اليونانية ، وحسب أذواقهم في مجال التأويل ، وهذا أمر مسلّم بينهم ، يقول الكاتب الإسماعيلي مصطفى غالب :
إنّ العقائد الإسماعيلية لا يمكن دراستها وبحثها علىٰ أنّها عقائد ثابتة لفرقة موحّدة ، وذلك أنّها عقائد تطورت حسب البيئات والأزمان ، واختلفت باختلافها ، وتشعّبت آراؤها ونظرياتها ، حتى أصبح من الصعب أن تبلور هذه العقائد ، أو أن تُصهر في بوتقة واحدة. (١)
وقد اعتمدنا من بين كتبهم العقائديّة على كتابين هما :
١. « راحة العقل » : تأليف الداعي في عهد الحاكم ، أعني : حميد الدين أحمد ابن عبد الله الكرماني ، الملقّب بحجة العراقين ، وكبير دعاة الإسماعيليّة في جزيرة العراق ، وصاحب المؤلّفات العديدة في المذهب الإسماعيلي ، ألّفه عام ( ٤١١ هـ ) ، وقد عاصر الفيلسوف الإسلامي الكبير ابن سينا ( ٣٧٣ ـ ٤٢٧ هـ ) ومن المعلوم أنّ هذا العصر وما قبله عصر إزدهار الفلسفة اليونانية ، فقد قام المسلمون وغيرهم بترجمة تلك الفلسفة وشرحها وتحقيقها.
وقد وضع الداعي كتابه هذا على غرار ما أُثر من الفلسفة ، وأدخل فيه شيئاً ممّا لا يمت إلى المذهب بصلة ، فإنّ أكثر مباحثه مسائل فلسفية بحتة ، أو طبيعية ، لا ارتباط لها بصميم المذهب. ويتجلّى ذلك بوضوح حينما يقوم الداعي الكرماني في ترسيم عوالم الخلقة.
إنّ الكتاب لا ينقسم إلى أبواب أو مقالات ، ولا تشتمل أبوابه أو مقالاته على فصول على نحو ما جرت به العادة في تقسيم الكتب ، وأنّما ينقسم إلى أسوار ،
______________________
١. كنز الولد : ٧ ، قسم المقدمة.