وبالجملة أنّ جعل محمد بن إسماعيل متمّاً للدّور من جانب ، وناطقاً سابعاً ، ناسخاً للشريعة ، التي سبقته من جانب آخر ، أمران متناقضان ، إذا كان الميزان هو الأدوار السابقة.
لكن الظاهر من كلام مصطفى غالب ، في كتابه « تاريخ الدعوة الإسماعيليّة » غير ذلك ، وأنّ متمَّ الدّور في الأدوار السابقة أيضاً ، هو الرسول الناطق ، وأنّ نوحاً كان متمَّ الدّور ، وفي الوقت نفسه رسولاً ناطقاً ، وأنّ محمّداً صلىاللهعليهوآلهوسلم كان متمَّ الدَّور وفي الوقت نفسه رسولاً ناطقاً. وقد استشهد على ما ذكره بكلام الداعي إدريس في كتابه « زهر المعاني » وإليك نصهما :
ويعتبر الإمام محمد بن إسماعيل أوّل الأئمّة المستورين ، والناطق السابع ، ومتمّ الدّور ، فقام بنسخ الشريعة التي سبقته ، وبذلك جمع بين النطق والإمامة ، ورفع التكاليف الظاهرة للشريعة ، ونادىٰ بالتأويل ، واهتمَّ بالباطن.
ولذلك قال فيه الداعي إدريس في كتابه « زهر المعاني » ص ٥٦ : « إنّما خُصَّ محمد بن إسماعيل بذلك لانتظامه في سلك مقامات دور الستر ، لأنّك إذا عددت آدم ووصيّه وأئمّة دوره ، كان خاتمهم الناطق وهو نوح عليهالسلام ... وإذا عددت عيسى ووصيَّه وأئمّة دوره ، كان محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم متسلّماً لمراتبهم ، وهو الناطق خاتم للنطقاء ، وكان وصيُّه عليهالسلام بالفضل منفرداً به ، وإذا عددت الأئمّة في دوره كان محمد بن إسماعيل سابعهم ، وللسابع قوّةٌ على من تقدَّمهُ ، فلذلك صار ناطقاً وخاتماً للاسبوع ، وقائماً ، وهو ناسخ شريعة صاحب الدّور السادس ، ببيان معانيها ، وإظهار باطنها المبطن فيها. (١)
فهذان الكاتبان اللّذان قاما في عصرنا هذا بنشر آثار الإسماعيليّة ، وتبيين عقائدها ، قد صوّرا الأدوار السابقة بصورتين متناقضتين.
فعارف تامر يصوّر الأئمّة سبعة سابعهم متمّمهم ، ويتلوه الرسول الناطق
______________________
١. مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الإسماعيلية : ١٤٨.