القضاء بدمشق مدة عن قاضي القضاة احمد بن سني الدولة الشافعي ، وعمن بعده من القضاة الشافعية يعني قبل حدوث القضاة الاربعة ، ثم ولي القضاء استقلالا من السلطان الملك الظاهر بيبرس الصالحي في سنة اربع وستين وستمائة ، وفي سادس جمادى الأولى منها استناب القاضي بدر الدين بن المظفر بن رضوان المنبجي المدرس بالمعينية ، واستمر قاضي القضاة الى ان توفي ، وجرت له حكاية مليحة مع السلطان الملك الظاهر لما احتاط على البساتين بدمشق حين حضر السلطان بدار العدل بدمشق ، وجرى الكلام في ذلك. فتكلم قاضي القضاة شمس الدين عبد الله المذكور بين الحاضرين وقال :
«اليد لارباب الاملاك ، ولا يحل لأحد ان ينازعهم في املاكهم ، ومن استحل ما حرم الله فقد كفر».
فغضب السلطان غضبا شديدا ، وتغير لونه ، ثم قال انا اكفر ، انظروا لكم سلطانا غيري.
وكان الذي حمل القاضي على هذا الكلام مخافة الله وخشيته ، والقى الله تعالى على خاطره هذه الآية الكريمة (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) الآية ، وانفض المجلس على وحشة من السلطان. فلما كان الليل ارسل السلطان طلب القاضي فخاف وأوصى وودع أهله وراح الى السلطان وفي ذهنه انه لا يعود. فلما دخل قام السلطان وعظمه وقال : يا قاضي تكفرنا اليوم؟
فقال : يا مولانا ، انا ما خصصت مولانا السلطان بهذا الكلام ، ولكن كل من استحل ما حرّم الله فقد كفر ، فقال السلطان لحاشية القاضي : كما هو يكفرنا. وخلع عليه ورجع الى بيته مجبورا معظما.
قال البرزالي في المنتقى : واجاز لي جميع مروياته وتوفي في يوم