الخضوع مع من يكلمه ثم تظهر الغيبة منه ، وكان يلبس ثوبا من الثياب مما لم يعهد لبسه بهذه البلاد وكان يذكر انه يعرف شيئا من علوم الاوائل وسمعته ينشد لنفسه :
خضت الدجنة حتى لاح لي قبس |
|
وبان بان الحمى من ذلك القبس |
فقلت للقوم هذا الربع ربعهم |
|
وقلت للسمع لا تخلو من الحدس |
وقلت للعين غضي عن محاسنه |
|
وقلت للنطق هذا موضع الخرس |
وقال الشيخ شمس الدين الذهبي : هو الشيخ الزاهد الكبير ابو علي بن هود المرسي أحد الكبار في التصوف على طريقة الوحدة. مولده سنة ثلاث وثلاثين وستمائة بمرسية وكان أبوه نائب السلطنة بها ، حصل له زهد مفرط وفراغ عن الدنيا وسكرة عن ذاته وغفلة عن نفسه فسافر وترك الحشمة وصحب ابن سبعين واشتغل بالطب والحكمة وزهديات الصوفية. وحج ودخل اليمن (١) وقدم الشام وكان ذاهيبة وشيبة وتلامذة وعلى رأسه قبع كشف (٢) ، وعلى جسده دلق. كان غارقا في الفكرة عديم اللذة ، متواصل الاحزان ، فيه انقباض عن الناس وحمل مرة الى والي البلد وهو سكران ، أخذوه من حارة اليهود فأحسن الوالي به الظن واطلقه وقال : سقاه اليهود خبثا منهم ليعبثوا به ـ وكان قد نالهم منه أذى وأسلم على يده منهم جماعة منهم سعيد وبركات ـ وكان يحب الكوارع المغمومة فدعوه الى بيت واحد منهم وقدموا له ذلك فأكل ثم غاب ذهولا على عادته فأحضروا الخمر فلم ينكر حضورها وأداروها ، ثم ناولوه منها قدحا فاستعمله تشبها بهم ، فلما سكروا
__________________
(١) في الاصل : اليوم. والتصحيح من فوات الوفيات ١ / ١٢٧.
(٢) كذا في الاصل ولعل الصواب : قبع كثيف.