في مقدونيا ، الأكثر تخلفا وانغلاقا في اليونان ، لكنه تتلمذ على أيدي الفيلسوف الكبير ، أرسطو ، فشب مولعا بالحضارة اليونانية وتقاليدها وأعرافها. وكان مقتنعا بأن النمط الإغريقي (اليوناني) هو قمة التفوق البشري ، ورأى رسالته العالمية في نشر هذا النمط الفكري ـ الاجتماعي ، من خلال إمبراطورية كونية ـ أي الهلينة.
وكان الإسكندر في العشرين من العمر عندما اغتيل والده ، فيليب ، سنة ٣٣٦ ق. م. وكان فيليب قد خطط مستقبل ابنه ووارثه قبل موته ، كما كان قد قطع شوطا كبيرا في الإعداد للمعركة الحاسمة مع العدو القديم ـ فارس. وبعد فترة قصيرة من توضيب أوضاعه الداخلية ، وضمان أمن حدوده الشمالية ، بادر الإسكندر إلى حملته الأسطورية على الشرق القديم. وكانت فارس إمبراطورية مترامية الأطراف ، غنية الموارد ، وتمتلك جيشا كبيرا ، كما في حيازتها أسطول بحري عظيم ، بني وأدير بالتعاون مع الفينيقيين. وتضافرت للإسكندر عوامل ذاتية وموضوعية ، جعلت منه أسطورة في التاريخ. فهناك الميّزات والمواهب الشخصية ، والجيش المنظم ذو الروح القتالية العالية ، ووضوح الهدف والثقة بالنفس ، في مقابل حالة معاكسة تماما في الجانب الآخر. وخلال أربع سنوات (٣٣٤ ـ ٣٣٠ ق. م.) ، قضى الإسكندر على إمبراطورية الفرس ، وصنع الأسطورة.
فبعد معركة غرانيكوس (٣٣٤ ق. م.) ، سيطر الإسكندر على مدن آسيا الصغرى الساحلية. وفي النصر الذي حققه في معركة إيسوس (٣٣٣ ق. م.) فتحت أمامه بلاد الشام ، فأوكل احتلال دمشق إلى قائد جيشه ، بارمينون. وباحتلاله الساحل الفينيقي ، فصل الأسطول الفارسي عن قواعده ، فعطله. وقاومت صور ، فحاصرها وأخضعها ودمرها. وكذلك فعلت الحامية الفارسية في غزة ، فكان مصيرها مصير صور. وفي سنة ٣٣١ ق. م. ، سحق الجيش الفارسي ، بقيادة داريوس الثالث ، في أربيل (شمال العراق) ، وراح يطارد فلول الشاهنشاه. وبينما هو يضيق الخناق على داريوس ، اغتال هذا الأخير أتباعه ، وورث الإسكندر ملكه وأرضه ، ثمّ أوغل شرقا إلى نهر السند ، حيث بدأ جنوده يتذمرون ، فعاد عن طريق جنوب فارس إلى العراق ، حيث سقط مريضا ومات (٣٢٣ ق. م.).
ومنذ بداية حملته ، أعطى الإسكندر المدن اليونانية في آسيا الصغرى حكما ذاتيا. وفي مسار الحملة تصرف وكأنه على رأس دولة مقدونية ـ يونانية متنقلة ، بكل طقوسها وتقاليدها. وأقام الكثير من المدن اليونانية ، بسكانها ومؤسساتها ، كما جعل بعضها حاميات حدودية ، وخصوصا في الجزء الشرقي من الأراضي التي فتحها. وتبرز بين هذه المدن الإسكندرية بازدهارها وعظمتها. لكن الإسكندر بعد مقتل