داريوس ، وإعلانه نفسه وارثا للعرش الفارسي ، توجه لربط الفرس واليونان في حضارة عالمية واحدة. وقد عبر عن ذلك بزواجه من أميرة فارسية ، وبترتيبه زفافا جماعيا ل ٠٠٠ ، ١٠ من جنوده لزوجات فارسيات ، في مدينة سوسة ، بعد رجوعه من الهند.
لكن الإسكندر مات قبل أن يرى أحلامه الكبيرة تتحقق ، أو تنهار ، أمام ناظرية. ففي الثالثة والثلاثين من عمره ، وبعد أقلّ من ١٢ عاما على غزوه فارس ، خرّ صريع المرض ، وليس بسيوف الأعداء ، إذ على هذا الصعيد لم يكن لديه ما يخشاه. وبموته ذهبت مشاريعه الضخمة وخططه الفخمة أدراج الرياح. والقادة الذين تخاصموا على التركة من بعده ، لم يكونوا في موقع يؤهلهم لاستكمال تلك المشاريع ، وإنما للصراع والاقتتال بشأن اقتسام المغانم. وفي غياب الروح الحية التي نفحت المقدونيين واليونان بالتطلعات الكبيرة ، انقلب القادة أسرى جشع جنودهم للمال والعطايا ، فراحوا يسترضونهم بالهبات والامتيازات ، لكسب ولائهم في الصراعات الدموية التي استشرت بينهم بشأن الميراث.
وفي الصراع بين أدعياء ميراث الإسكندر ، وقعت فلسطين في البؤرة ، فكانت مسرحا للمعارك والحملات والأخرى المضادة ، الأمر الذي ألحق بها وبسكانها ضررا كبيرا. وعندما هدأت الأمور نسبيا ، نحو سنة ٢٨٠ ق. م. ، كانت إمبراطورية الإسكندر مقسمة بين ثلاث دول كبرى : ١) السلوقيون في غرب آسيا ؛ ٢) البطالسة (البطالمة) في مصر ؛ ٣) الأنطونيون في مقدونيا وبلاد اليونان الأوروبية. وإذ تخندق كل طرف في عاصمته ، وثبّت ملكه فيها ، إلّا إن أحدا منهم لم يقرّ للآخر بالأراضي التي وقعت في يده. ولذلك استمر الصراع بشأن الحدود طويلا. وفلسطين كمنطقة حدودية انتقلت مرات متعددة من يد إلى أخرى ، كما انتهزت قوى صغيرة محلية فرصة صراع العمالقة لتحسين أوضاعها ، فجلبت على نفسها العقاب ، عاجلا أم آجلا.
وبعد مدّ وجزر ، استقرت فلسطين أخيرا (٣٠١ ق. م.) في يد بطليموس الأول ، ملك مصر. لكن حليفه سابقا ، سلوقس ، لم يسلم له بذلك ، وظل يصارع لانتزاعها كجزء من سورية ، التي كانت تحت حكمه. غير أن البطالسة ، الذين لم يؤدّوا دورا كبيرا في الصراع ضد أنطيغونوس ، وتحمّل وزره الأساسي سلوقس ، استطاعوا الحفاظ على فلسطين حتى سنة ١٩٨ ق. م. وكان انتقالها إلى أيدي السلوقيين في إثر معركة على منابع الأردن (بانياس) ، هزم فيها أنطيوخوس الثالث (٢٢٣ ـ ١٨٧ ق. م.) جيش البطالسة. وظلت فلسطين عموما في منطقة نفوذ السلوقيين إلى حين الاحتلال الروماني سنة ٦٣ ق. م. ومع ذلك ، استمرت ترتيباتهم الإدارية فترة طويلة في أثناء حكم الرومان.