وجنوب بلاد الشام ، عرفت باسم الحروب السورية ، خلال القرن الثالث قبل الميلاد. وليس ذلك إلّا للأهمية التي أولوها لهذه الولاية ، استراتيجيا واقتصاديا. فالبطالسة رأوا فيها خط الدفاع الأول عن مملكتهم في مصر ، فأداروها مباشرة من عاصمتهم ـ الإسكندرية ـ وعبر المندوبين. وكذلك ، فالبطالسة الذين اعتمدوا كثيرا على التجارة الدولية في تمويل دولتهم ومشاريعهم ، أرادوا السيطرة على موانىء الشاطىء الشرقي للبحر الأبيض المتوسط ، وكذلك على طرق التجارة البرية التي تمر بها. هذا إضافة إلى الموارد الطبيعية والزراعية والصناعية ، التي كانت تنقص مصر : الأخشاب وزيت الزيتون والنبيذ والقار والبلسم وغيرها.
في المقابل ، كان السلوقيون يريدون جنوب بلاد الشام للأسباب ذاتها ـ استراتيجيا واقتصاديا. وعلاوة على ذلك ، فقد رأوها جزءا لا يتجزّأ من الأراضي التي وقعت في أيديهم في غرب آسيا ، وبناء عليه ، فهي من حقهم. والأطماع المادية السلوقية رفدت بتبريرات معنوية ، إذ رأى هؤلاء في أنفسهم ورثة حلم الإسكندر في نشر الهلينة ، على عكس البطالسة. وكان اليونان قد عرفوا هذه البلاد وعرفتهم منذ زمن طويل ، فكانت منفتحة على حضارتهم وتجارتهم. فشواطىء البحر الأبيض المتوسط الشرقية شهدت استيطانا يونانيا ، بصورة أو بأخرى ، منذ قرون. ولذلك ظل السلوقيون يصارعون حتى انتزعوا فلسطين من البطالسة ، ولما فعلوا ذلك لم ينعموا بها طويلا ، إذ ما لبثوا أن اشتبكوا مع روما ، فهزموا ودفعوا جزية لم يعرفها التاريخ القديم. وفي الوقت نفسه شبت في وجههم ثورة الحشمونيين.
ويستفاد من وثيقة زينون ، المكتوبة على ورق البردي ، والتي اكتشفت في مصر سنة ١٩١٥ م ، أن بطليموس الثاني (فيلادلفيوس) ، الذي حكم بين (٢٨٢ ـ ٢٤٦ ق. م.) ، أدار تجارة واسعة في سورية وفلسطين. وزنون كان عاملا لدى أبولونيوس ، وزير مالية الملك ، وقد سجل نشاطاته في تلك الوثيقة. ويذكر زنون أن وكلاء الوزير كانوا يجوبون المدن ويشترون البضائع ويهتمون بأمور التجارة. ومن بين الأمور التي اشتغلوا بها كانت تجارة العبيد الرائجة ، فضلا عن المنتوجات الزراعية : القمح السوري الممتاز والنبيذ وزيت الزيتون. كما احتكروا تجارة العطور بين مصر والجزيرة العربية ، ومن أجل ذلك عين وزير المالية موظفا خاصا ، أقام في مدينة غزة.
ومن هذه الوثيقة وغيرها ، يستفاد أن السمة البارزة للعصر الهليني في الشرق هي التطور الاقتصادي. فقد شهد غرب آسيا ازدهارا اقتصاديا ، طال نواحي الإنتاج المعروفة كافة ـ الزراعة والصناعة والتجارة. وكانت الدولة ـ الملك والمقربون منه ـ مالكة الأرض الرئيسية ، وصاحبة رأس المال الأكبر ، كما تولت المبادرات الصناعية