تجارية في النقب ، كان الأنباط يستعملونها ، وهي : عبدة وسبيطة ونيتسانا وكرنب وألوسا (الخلصة). وقد كشف في هذه المدن عن آثار تدل على ازدهارها في العصر الروماني ـ البيزنطي : بوابات ضخمة وأسواق ومعابد وكنائس ومسارح وسدود مياه وقنوات .. إلخ.
وقد ظلت الزراعة عماد الاقتصاد في البلد ، ولكن صناعات متعددة ازدهرت بالمدن ، وكذلك التجارة ببضائع متنوعة. وتميّزت غزة كميناء ، إذ كانت منفذ التجارة مع الجزيرة العربية عبر النقب ، الذي حرصت السلطات على أمن القوافل التي تنقل البضائع ، عبر طرقه. ولم تقتصر تجارة فلسطين وموانئها على المنتوجات الزراعية : كزيت الزيتون والنبيذ والبلسم (من منطقة عين جدي) والحبوب (من مرج ابن عامر) والخيول ، ولا على ما تحمله القوافل من الجزيرة العربية والشرق الأقصى ـ التوابل والعطور ـ بل اشتغلت أيضا بمنتوجات وبضائع متنوعة ، منها : الأخشاب والنحاس من آسيا الصغرى والحرير والأيقونات من القسطنطينية والزجاج من سورية والجلود والفراء من أوروبا. ولذلك ازدهرت الموانىء ـ غزة ويافا وقيساريا وعكا وغيرها. وفي أراضي الإمبراطورية المترامية الأطراف ، حيث تمتع السكان بحرية التنقل وبالأمن في فترات الاستقرار ، تشكلت سوق تجارية ضخمة ، قامت القسطنطينية ذاتها بدور مركزي فيها ، لأنها مدينة صناعية وتجارية ، فضلا عن أنها عاصمة الإدارة المدنية والكنسية ، ومركز الثقافة والفكر.
وكانت ولاية سورية ، ومن ضمنها فلسطين ، ولاية غنية ، تمتعت بازدهار اقتصادي لفترات طويلة من الاستقرار ، ولذلك شهدت نهضة عمرانية وفنية وفكرية. ففضلا عن بناء المدن والموانىء والحصون والطرق ، أقيم عدد كبير من الهياكل ، ولاحقا الكنائس المسيحية منذ القرن الرابع الميلادي. وفيها يتجلى فن العمارة الراقي ، الذي مزج بين العناصر الشرقية واليونانية والرومانية ، فجاء متميزا برونقه وجماله وزخرفه. وتبرز فيه الفسيفساء بجمال صورها ـ أوراق الأشجار والزهور وعناقيد العنب والثمار والحيوانات والطيور البرية والأليفة. كما تجذب الأنظار الأعمدة اليونانية والطراز «الباسيليكي» ، في بناء الكنائس الكثيرة ، والأديرة للرهبانيات التي انتشرت في جميع أنحاء البلد ، وحتى في الصحراء. ومن أهمها في فلسطين «دير مار سابا» (بالقرب من القدس) و «دير جبل الطور» (بالقرب من الناصرة) ، وكذلك في مدن الناصرة وبيت لحم وجبل الزيتون في القدس. أمّا الكنائس ، فأقدمها كنيستا «المهد» و «القيامة» ، من أيام قسطنطين ، وكذلك كنيسة «البشارة» في الناصرة ، وكنيسة غزة ، التي بنيت سنة ٤٠٢ م على يد الإمبراطورة الورعة يودوكية. ووجدت آثار كنائس