وتذكر المصادر عددا كبيرا من الصحابة ـ مهاجرين وأنصار ـ ممن وفد إلى فلسطين بصورة فردية ، واستقر بها مع مواليه. فنزل بعض بني هاشم في أذرح ؛ وبني عبد الله بن عباس في الحميّمة ، كما أقام عدد من بني أمية في أيلة ومعان والبلقاء ووادي الأردن والساحل وبئر السبع. وكذلك نزلت جماعة من بني مخزوم في منطقة غزة. وإلى جانب كل قبيلة عربية كان هناك الموالي المنتسبون إليها ، بسبب إسلامهم ، وهم من غير العرب ، أي من السكان الأصليين الذين استقروا بالبلاد قبل الفتح ، ومعظمهم من الأراميين والسريان ، الذين أسلموا ، ودخلوا في حلف مع القبائل العربية لتثبيت موقع لهم في التركيب الاجتماعي ـ السياسي الجديد ، فأصبحوا ينتسبون إلى تلك القبائل بالولاء. وكان منهم التجار والكتّاب والفلاحون والحرفيون والعمال .. إلخ. وقد برز بعضهم وتولى مناصب مهمة في الدولة والجيش. ومنهم من تفرغ للعلم ، وبلغ مرتبة رفيعة فيه ، وحتى في العلوم الإسلامية والعربية ، فضلا عن العلوم الأخرى.
أمّا من لم يعتنق الإسلام فقد ظل في عداد أهل الذمة ، وكان عليه أن يدفع الجزية لقاء الحماية التي تؤمنها له دولة الإسلام. ويصعب تقدير عدد هؤلاء ، إلّا إن الإشارات إليهم متوفرة. وإضافة إلى حرية العبادة التي ضمنتها لهم الخلافة ، فقد تمتعوا بحق العمل ـ الزراعي والصناعي والتجاري ـ وحتى في دواوين الدولة ، وخصوصا في المرحلة الأولى ، قبل أن يعرّب عبد الملك بن مروان الديوان (الخراج بصورة خاصة). وهذا يعني أنه إلى ذلك الحين ، ظلت سجلات الدولة (وخصوصا الشؤون الضريبية) باللغة السريانية ، وظل موظفو مثل هذه الإدارات من أهل البلد الأصليين. وقد استعمل بنو أمية عمالا من النصارى ، وصلوا إلى أعلى المراتب ، ومنهم سرجون بن منصور ، رئيس الديوان أيام معاوية وابنه يوحنا بن سرجون (يوحنا الدمشقي) وكانا في خدمة معاوية وابنه يزيد. وكانت قبائل العرب النصرانية تتمتع بموقع متميّز عن أهل الذمة ، ومنها من تشبث بديانته لفترة طويلة ، كقبيلة تغلب مثلا ، مع أن رجالها شاركوا في الفتوحات.
ونعمت فلسطين في عهد الأمويين ، وخصوصا في أيام عبد الملك ، بالرخاء والازدهار ، كما أقيمت فيها العمارات الجميلة والفخمة. ففي أيام صراعه مع ابن الزبير ، بنى عبد الملك قبة الصخرة المشرفة في القدس سنة ٦٩١ م. ويقال إنه أراد بها صرف الحج عن مكة والمدينة إليها. ثم تبعه ابنه الوليد ، فأقام المسجد الأقصى ، بجوار قبة الصخرة. كما أقام المسجد الأموي مكان كنيسة القديس يوحنا في دمشق ، وأعاد بناء الكعبة والمسجد الحرام ، وكذلك مسجد النبي (ص) في المدينة المنورة.