الأدوات ، وفي الحالتين على حساب بلاد الشام ، أرضا وشعبا. وقد استفاقت هذه البلاد على الانقلاب بعد فوات الأوان ، وباءت المحاولات اليائسة لاستعادة الموقع المرموق ، ولو جزئيا ، بالفشل ، ولم تجدها الطفرات العفوية المتكررة في هذا السبيل فتيلا. وفي الشرق ، كما في الغرب ، قدمت طروحات متعددة لأسباب هذا الانقلاب ومغزاه. فكان من رأى فيه انتصارا للفرس على العرب ، أو حلولا للإسلام محل العروبة كأساس للعلاقات بين الناس ، كما بينهم وبين الدولة ، أو ثأرا للعراق من سورية على ما لحقه منها أيام الأمويين ... إلخ. ومهما يكن الأمر ، فالواضح أن قيام الدولة العباسية لم يكن مجرد تبدل في السلالة الحاكمة فحسب ، ولا انتقالا لعاصمة الخلافة ، بل تجاوز ذلك بكثير.
فوصول بني العباس إلى الخلافة لم يكن نتيجة انقلاب في القمة ، أو صراع محصور في الطبقة الحاكمة ، بل جاء تتويجا لعمل طويل من الدعوة في جميع أرجاء أرض الخلافة ، وخصوصا في الأطراف الشرقية ، مع أن الرأس المدبر كان في فلسطين ـ الحميّمة. وقد استغل الدعاة الثغرات في الحكم الأموي والأزمات التي انتابته ، داخليا وخارجيا. وعندما رفع أبو مسلم الخراساني ـ داعية العباسيين في خراسان ، في الطرف الشرقي من أرض الخلافة ـ العلم العباسي الأسود ، اندلعت معارك دموية ، واكبت مسيرة الثورة من خراسان إلى مصر ، وكانت فلسطين إحدى محطاتها الدرامية. ولدى اقتراب ساعة الحسم ، اتخذت المعارك طابع الإبادة. وغالى العباسيون في مطاردة فلول بني أمية وأعوانهم وتصفيتهم. وصولا إلى أعالي مصر لقتل آخر خلفاء بني أمية ، الأمير المقاتل ، مروان بن محمد ، الملقب «الحمار» لصبره على الشدائد ، سنة ٧٥٠ م.
ومن مركز الدعوة الهاشمية في الحميّمة من أرض فلسطين ، التي كان عبد الملك بن مروان أقطعها إلى علي بن عبد الله بن عباس ، وبينما حبل الأمن في بلاد الشام يضطرب كنتيجة مباشرة للصراع بين أدعياء الخلافة من بني أمية ، وحالة من التمرد تجتاح الكثير من الولايات ، بفضل الخوارج أصلا ، نشط محمد بن علي العباسي في الدعوة ضد الأمويين. وبعد وفاته تابع ابنه إبراهيم عمله ، لكن الخليفة مروان بن محمد قبض عليه وأعدمه ، بعد أن وقع في يده كتاب من إبراهيم إلى داعيته أبي مسلم الخراساني ، يحثه فيه على الثورة. وكان إبراهيم قد أوصى بخلافته إلى أخيه أبي العباس (السفاح). وعندما وصلت جحافل خراسان ، بقيادة أبي مسلم ، إلى الكوفة سنة ٧٤٩ م ، بويع أبو العباس خليفة فيها. وبدأت مرحلة الحسم العسكري ، إذ أصبح هناك خليفتان ـ أحدهما في الكوفة ، والآخر في دمشق. وكانت معركة الزاب