ألكسيوس كومنينوس (١٠٨١ ـ ١١١٨ م) الذي شعر بالخطر على عاصمته ، واقتنع بعجزه عن درئه ، فقد توجه إلى طلب المساعدة من البابا والغرب الكاثوليكي ، متذرعا بالقدس ، وإنقاذ الأمكنة المسيحية المقدسة فيها. ويلفت النظر أن ما تعرضت له القدس سابقا ، وحتى عندما أمر الحاكم بأمر الله بهدم كنيستي القيامة والصعود ، لم يحرّك أباطرة بيزنطة لتحرير قبر السيد المسيح. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الصعوبات التي كان يلقاها الحجاج المسيحيون ، فقد ردّ عليها الأباطرة بأساليب أخرى تماما : مفاوضات وتهديد وضغوط وهدايا ومعاهدات .. إلخ. أمّا هذه المرة ، فقد أوقع الإمبراطور ألكسيوس كومنينوس ـ الضليع في مؤامرات البلاط البيزنطي ـ نفسه في الشرك الذي نصبه لغيره ، عندما حاول أن يحل مشكلاته على حساب البابا وحكام أوروبا الغربية ، فانقلب الأمر عليه.
كانت الكنيسة قد انقسمت رسميا سنة ١٠٥٤ م ، بعد فترة طويلة من الانقسام الفعلي إلى كنيسة شرقية (أورثوذكسية) ، وغربية (كاثوليكية) ، وبينهما عداء مستحكم.
وعندما توجه ألكسيوس كومنينوس إلى طلب المساعدة من البابا أربان الثاني ، انتهز الأخير الفرصة ، التي رأى فيها مناسبة لاستعادة وحدة الكنيسة تحت الكرسي الرسولي (الفاتيكان ـ روما). أمّا ألكسيوس ، فلم يكن يفكر بأكثر من دعم بالمقاتلين للصمود في وجه السلاجقة. ولذلك فوجىء عندما بلغه نبأ الدعوة إلى حملة صليبية ، والبدء بإعدادها. والفكرة التي دعا إليها البابا انطوت على حركة جماعية من شعوب غرب أوروبا ، تحت قيادة حكامهم ونخبة قادتهم العسكريين ، ولم تتوقف عند حدود الدفاع عن القسطنطينية ، بل تعدت ذلك إلى انتزاع القدس من أيدي المسلمين ، تحت شعار «هذه إرادة الله» ، وخلف راية «الصليب المقدس».
وكانت استجابة البابا لطلب النجدة من إمبراطور بيزنطة مزيجا من الواجب الديني والطموح السلطوي. فإلى جانب الشعور الديني تجاه مسيحيي الشرق وضرورة مساندتهم ، وكذلك إزاء استعادة السيطرة على الأمكنة المقدسة في الشرق ـ مهد المسيحية ـ كانت هناك رغبة جامحة لدى البابوات في تكريس سلطتهم على الكنيسة الموحدة. وكان الكرسي الرسولي ، أيام البابا غريغوريوس السابع ، قد عزّز موقعه إزاء حكام أوروبا خلال القرن الحادي عشر. وجاء بعده البابا أربان الثاني النشيط ، فعمل على تكريس الدور القيادي الذي تؤديه الكنيسة في أوروبا. وفي طلب المساعدة الذي تقدم به إمبراطور بيزنطة ، لاحت فرصة مواتية لتحقيق هذا الهدف. ورأى البابا أن اضطلاع الكنيسة الكاثوليكية الغربية بالدور المركزي في الحملات الصليبية ، سيمكنها من احتلال الموقع القيادي المرغوب ، دينيا وسياسيا ، في الشرق كما في الغرب ،