حملة بيتر الراهب ، بدأت قوات الحملة الصليبية النظامية الأولى تتجمع في غرب أوروبا. لم يشارك فيها ملوك أوروبا ، وإنما الكونتات والدوقات والأمراء فقط. ويبرز بين هؤلاء : غودفري دو بويون (دوق لورين) ، وأخوه بولدوين ، اللذان أصبحا لاحقا ملكين في مملكة أورشليم اللاتينية ، وروبرت (دوق نورماندي) ، أخو ملك بريطانيا وهيو (كونت فيرماندوا) ، أخو ملك فرنسا وروبرت الثاني (كونت فلندرز) المعروف ب «الفظ» وريموند (كونت طولوز) وبوهيمند (النورماني) وقريبه تانكرد ، من جنوب إيطاليا. وكان هذان الأخيران الأقل حماسة دينية ، والأكثر طمعا ماديا ، وكانت لهما عداوة مع إمبراطور بيزنطة ، وقد راودتهما أحلام احتلال القسطنطينية. وكان جيشهما هو الأكبر في هذه الحملة متعددة القادة. وإلى جانب القادة العسكريين ، انضم إلى الحملة بطرس الناسك والأسقف أديمار ، ممثلين الكنيسة.
وكان على هذه الجيوش أن تتجمع في القسطنطينية قبل الدخول إلى أراضي السلطنة السلجوقية ، فأخذ بعضها طريق البر ، والآخر طريق البحر. ولم تكن لتلك الجيوش المتعددة قيادة موحدة ، أو خطة شاملة. وكانت فرنسا تشكّل الثقل الرئيسي في الحملة. وتركت هذه الجيوش أيضا أثرا سلبيا في سكان المناطق التي عبرتها ، لكنها كانت أكثر إزعاجا للإمبراطور ألكسيوس. لقد أراد هذا اعتبارهم مرتزقة ، وطالبهم أن يقسموا يمين الولاء له ، بصفته الحاكم الأعلى ، لكن ذلك لم يحدث ، وحتى الاتفاقات التي تمّ التوصل إليها ، بإعادة أملاك الإمبراطور التي أخذها منه السلاجقة عند انتزاعها منهم ، لم يجر الوفاء بها. ومع ذلك ، وعلى الرغم من الاتهامات والشكوك المتبادلة بين الأطراف جميعها المنخرطة في العملية ، فقد تمّ نقل القوات إلى آسيا الصغرى ، بمساعدة أسطول بيزنطة ، وبدأت الحرب ، بمشاركة اسمية من جيش الإمبراطور ، مع السلاجقة في سلطنة روم ، التي لم يأت أحد لنصرتها من الإمارات الأخرى.
وبداية في حزيران / يونيو ١٠٩٧ م ، وبعد حصار قصير ، استسلمت نيقيا ، فأعيدت إلى بيزنطة بحسب الاتفاق مع الإمبراطور. وبعدها في تموز / يوليو ١٠٩٧ م سقطت دوريليوم ، وبالتالي سقط غرب آسيا الصغرى وأعيد إلى البيزنطيين ، وانسحب السلاجقة إلى الداخل. ثم توجه جزء من الصليبيين ، بقيادة بولدوين ، في اتجاه إديسّا (الرها) وفتحها (١٠٩٨ م) وأقام فيها أول إمارة لاتينية في الشرق ، فأصبحت بواقع الجغرافيا خط الدفاع الأول عن الإمارات الصليبية الأخرى في مواجهة السلاجقة. أمّا الجزء الآخر ، وهو الأكبر ، فقد تقدم لحصار أنطاكيا في تشرين الأول / أكتوبر ١٠٩٧ م ، وطال الحصار تسعة أشهر ، حاول في أثنائها الفاطميون