أيام غازان خان محمود ، الذي في أيامه اعتنق المغول الإسلام. وكانت تلك الغزوة الأخيرة الخطيرة التي قام بها المغول ضد المماليك. وبعدها راحت مسألة تحالفهم مع الفرنجة تتراجع ، وإن لم تنقطع تماما. وفي المقابل ، راحت العلاقات بين المماليك وبيزنطة تتوثق ، بعد أن كان قلاوون قد أقامها ، في إثر انتصاره على المغول (١٢٨٠ م). وفي تلك الغزوة ، ضرب المغول شمال سورية ، ودخلوا دمشق ، ثم رحلوا عنها. وبعد ثلاث سنوات (١٣٠٢ م) ، هزم المغول للمرة الأخيرة في مرج الصّفر بالقرب من دمشق. ولم يجرؤ بعدها أحد من ورثة غازان على مهاجمة دولة المماليك.
والناصر محمد ، السلطان الأعرج ، قصير القامة ، عرف بحبه للحياة السعيدة والتبذير. وفي أيامه ، وصل حكم المماليك إلى الذروة في أعمال الفن والعمارة. فأسرف في إقامة الأبنية المتعددة : قصور ومساجد ومدارس ورباطات وقنوات ماء ، وغيرها. وقد أدّى ذلك إلى إفراغ خزينة الدولة ، فعمد الناصر إلى زيادة الضرائب وإعادة توزيع الأراضي وتشجيع التجارة ، للحصول على الأموال. لكن هذه الإجراءات كانت ذات أثر موقت فقط. وبعد موته ، انفجرت الاضطرابات الداخلية ، بين المماليك والناس ، من جهة ، وبين هؤلاء أنفسهم ، من جهة أخرى. وزاد الأمور سوءا القحط الذي أصاب البلاد ، ثم تبعه الطاعون. وهذا الوباء الذي أصاب أوروبا وخربها (١٣٤٨ ـ ١٣٤٩ م). لم يوفر الشرق. وفي مصر استمر نحو سبعة أعوام ، حصد خلالها أرواح مئات الآلاف ، بل الملايين ، كما يؤكد مؤرخو العصر. وما عدا فترات قصيرة بعد الناصر ، حيث صادف قيام سلطان نشط ، كانت المرحلة اللاحقة لموته في تدهور مستمر ، وظلت دولة المماليك تنتظر قيام دولة قوية تنهي وجودها المقيت.
وانتقال الحكم من المماليك البحرية ـ الأتراك ـ إلى المماليك البرجية ـ الشراكس (١٣٨٢ م) ـ على يد السلطان الظاهر سيف الدين برقوق ، لم يعدل الأوضاع ، بل زادها سوءا. واعتراض البرجية على وراثة السلطنة لم يوصل إليها الأفضل دائما ، وإنما في الأغلب الأقدر على حبك المؤامرات والاغتيال وشراء الأتباع ، وشتى صور التحايل. وفي عهدهم تواترت الانقلابات ، وعمت الفوضى ، فاضطرب الأمن وساءت أحوال الناس. ومن ضمن ثلاثة وعشرين سلطانا برجيا ، حكموا لمدة ١٣٤ عاما ، حكم تسعة منهم ١٢٤ عاما وهم : برقوق وفرج والمؤيد شيخ وبارسباي وجقمق وإينال وخوشقدم وقايتباي وقانصوه الغوري. وبذلك يكون معدل حكم الآخرين أقلّ من عام واحد. وفي سعيهم لقطع الطريق على وراثة السلطنة