العالي ، استصدر والي دمشق ، أحمد كوتشوك ، فرمانا من السلطان مراد الرابع بتجريد حملة ضد فخر الدين وسحقه. وبينما توجهت القوات برّا ، فرض الأسطول العثماني ، بقيادة القابودان باشا (قائد الأسطول) جعفر ، حصارا على سواحل لبنان لقطع أية مساعدات أوروبية عن الأمير المتمرد.
وعندما أصبح وضع فخر الدين مهددا ، حاول المراوغة مع الباب العالي ، فعرض تسليم صيدا وبيروت ، بينما أرسل مطرانا مارونيا إلى أوروبا لتجنيد الدعم له. وعندما يئس ، هرب واختبأ في مغارة (١٦٣٣ م). وفي السنة التالية ، ألقي القبض عليه مع ولديه ، وحملوا إلى إستنبول ، حيث أعدموا (١٦٣٥ م). ولكن طموح خلفائه من المعنيين بالتوسع في فلسطين لم يتوقف. وعاد أخوه (١٦٥٣ م) واحتل سنجق صفد. ومع تقلص إمارة المعنيين ، عين الباب العالي حكاما عثمانيين من الإنكشارية في السناجق التي انتزعت منهم. وفي فلسطين ، ظل أبناء طراباي يحكمون اللجون ، وأبناء فروخ نابلس. وعلى العموم ، شهدت البلاد اشتداد قبضة السلطة المركزية ، عبر الإنكشارية والحاميات التركية التي أرسلت إليها ، أيام مراد الرابع والوزراء من آل كوبريلي. لكن الفساد كان قد تغلغل داخل الإنكشارية أنفسهم ، الأمر الذي أدّى إلى تغييرهم خلال فترات قصيرة من الحكم ، وبالتالي تفاقم حالة عدم الاستقرار في السناجق المتعددة.
وإزاء تدني قوة الإنكشارية وطغيان فسادهم ، راح الحكام المحليون يجندون جيوشا من المرتزقة ، من أجناس متعددة يستعملونها مداورة لفرض سلطتهم على الناس ولجباية الضرائب وحماية قافلة الحج. أمّا بالنسبة إلى السلطنة بصورة عامة ، فإن صدّ الإنكشارية على أبواب فيينا (١٦٨٣ م) ، في أيام محمد الرابع (١٦٤٨ ـ ١٦٨٧ م) ، كان مؤشرا واضحا على تراجع قوة العثمانيين إزاء أوروبا. وكان عقد معاهدة كارلوفيتس في ٢٦ كانون الثاني / يناير ١٦٩٩ م منعطفا خطيرا في موازين القوى بين أوروبا والعثمانيين ، تحت حكم مصطفى الثاني (١٦٩٥ ـ ١٧٠٣ م). ففي تلك المعاهدة ، اضطر السلطان إلى التنازل عن أراض واسعة في البلقان. لكن الأهم هو تحوّل الامتيازات التي منحها ملك فرنسا على يد سليمان القانوني (١٥٣٥ م) ، فمن موقع القوة ، أصبحت الآن لزاما على السلطان ، وحقا للدول الأوروبية المتعاظمة القوة. وفي تلك المعاهدة ، طالبت روسيا بإدخال الأماكن المسيحية المقدّسة تحت حمايتها ، وكذلك المسيحيين الأورثوذكس كلهم ، كما طالبت بأن يعفى هؤلاء من الضرائب ، وبأن لا يسري عليهم القضاء الشرعي الإسلامي.
ومنذ بداية القرن الثامن عشر ، راحت أوضاع السلطنة العثمانية تتدهور بوتيرة