الجيش. وإزاء هذا النصر الباهر ، تحركت الدول الأوروبية ، وتوسطت للصلح في معاهدة كوتاهية في أيار / مايو ١٨٣٣ م ، التي بموجبها اعترف السلطان محمود الثاني بحكم محمد علي الوراثي في مصر ، وفي بلاد الشام وأضنة. وأعاد إبراهيم تنظيم البلاد ، فقسمها إلى مديريات كالتالي : حلب وطرابلس وأضنة ومعها طرسوس وصيدا ومعها عكا والقدس ونابلس ويافا وغزة. ونصّب على كل منها مديرا بإمرة شريف باشا ، صهر محمد علي ، وبإشرافه هو كونه قائد الجيش ، وولي العهد.
وغداة الاحتلال ، وعد إبراهيم باشا سكان بلاد الشام بالأمن والعدل ، وسعى للوفاء بوعده. فعمد إلى تنظيم البلاد وتطويرها. ونقل إليها التنظيمات الإدارية والاقتصادية التي أدخلها والده إلى مصر. لم يصادر الأراضي ، ولكنه احتكر تسويق القطن والحرير ، وركز في أيدي السلطة الإنتاج الزراعي والحرفي ، وكذلك السيطرة على التجارة. وفي البداية تمخضت إجراءاته عن تشجيع الاقتصاد وضبط الأمن واستقرار الضرائب ، الأمر الذي أدّى إلى ازدهار لم تشهده البلاد منذ زمن. وترك إبراهيم باشا السلطة في جبل لبنان بأيدي الأمراء الشهابيين ، وتعامل معهم بخصوصية ، إذ تطلع إلى استخراج الفحم والحديد من جبل لبنان ، كما أراد استغلال غابات الأرز لإعادة بناء الأسطول المصري ، الذي دمر بالكامل تقريبا في معركة نفارينو. لكن «شهر العسل» بين إبراهيم وسكان بلاد الشام لم يطل ، وسرعان ما تواترت الثورات ضده ، وخصوصا في المنطقة الوسطى من فلسطين ، كما تألّبت دول أوروبا عليه.
فمشروع محمد علي في مصر ، كما في بلاد الشام والجزيرة العربية ، وكذلك العراق الذي خطط لضمه ، كان يتناقض قطبيا مع مشاريع دول أوروبا الاستعمارية ، وخصوصا بريطانيا. وعندما راح محمد علي يوطد علاقاته مع فرنسا ، ويستعين بخبرائها على تطوير الأراضي الواقعة تحت حكمه ، وتحديث الإدارة والجيش في دولته ، زاد قلق بريطانيا منه ، وناصبته العداء. فبريطانيا رأت في قيام دولة قوية في مصر ، ترث السلطنة العثمانية المتهاوية ، وتسيطر على شرق البحر الأبيض المتوسط ، والبحر الأحمر والجزيرة العربية ، وتتطلع إلى الهيمنة على الخليج العربي ، تهديدا لمصالحها ، وخصوصا لمواقعها الاستراتيجية على شريان المواصلات الحيوي بالنسبة إليها ـ الطريق إلى الهند والشرق الأقصى. ولما رفض محمد علي القبول بالمعاهدة التجارية المبرمة بين بريطانيا والسلطنة العثمانية (١٨٣٨ م) ، والتي منحت بريطانيا الحق في بيع بضائعها المصنعة بأغلى الأثمان في أراضي السلطنة ، بينما تشتري هي المواد الخام منها بأبخس الأسعار ، عمدت بريطانيا إلى استغلال الفرص ، وإثارة