تتراجع ، ومع فتح أسواقها أمام البضائع الأجنبية ، انحسرت سوق الصناعات المحلية ، وأصابها الكساد. ومداخيل بلاد الشام من الضرائب لم تكن كافية لتسديد نفقات الجهاز الإداري المنتفخ ، الذي وظفه الباب العالي في إدارة شؤون البلاد.
لكن فرض السلطة المركزية في بلاد الشام كان يفترض اتخاذ الإجراءات اللازمة لزعزعة مرتكزات قوة الزعماء المحليين ـ الجيوش الخاصة والسلاح والتزام جباية الضرائب. وفي المقابل ، كان على الحكومة المركزية توفير أدوات السلطة الجديدة ـ موظفين وجيوش نظامية وقوانين تضبط الإدارة والعلاقة بين السلطة والناس. وفي هذا السياق ، كانت التنظيمات الجديدة التي عمد إليها الباب العالي تعاني ثغرات على الصعيد الذاتي ، وتواجه عقبات على الصعيد الموضوعي. فبعد الانسحاب المصري ، كانت ردة فعل الزعماء المحليين ، ومعهم قطاعات واسعة من السكان ، عنيفا على الإجراءات التي اتخذها إبراهيم باشا وسعى لتجسيدها بيد من حديد. وفي سعيها لزحزحة الحكم المصري من بلاد الشام ، عمدت السلطنة إلى تقوية النزعات الاستقلالية لدى الزعماء المحليين ، وقدمت لهم الوعود السخية لتحريضهم على الحكم المصري ، كما زودتهم بالسلاح والمال لمقاتلة جنوده وتدمير جيشه ، حتى وهو ينسحب. وبذلك ، كان الباب العالي يؤسس لإفشال التنظيمات التي حاول إدخالها لاحقا. هذا ، ولأسباب أخرى تتعلق بالحكومة في إستنبول ظلت الإصلاحات في بلاد الشام تسير ببطء شديد.
وإزاء الأوضاع الجديدة التي تشكلت في بلاد الشام بعد الانسحاب المصري ، إذ سارع الزعماء المحليون إلى استعادة مواقعهم السابقة ، برز عجز الحكومة العثمانية المركزية عن التصدي لهذه الظاهرة ، إذ افتقدت القوة العسكرية اللازمة لفرض إرادتها ، والجهاز الإداري المؤهل لتولي المسؤولية بدلا من الإدارة المصرية المتقدمة. وبعد فترة من المراوحة والتردد ، دامت نحو خمسة أعوام حزمت الحكومة العثمانية أمرها ، وعينت قائدا جديدا للجيش في بلاد الشام ، نامق باشا الذي هدد الزعماء المحليين باستعمال القوة ضدهم إذا لم يخضعوا له. وإذ استطاع نامق باشا أن يفرض هيبته عليهم ، ويدخل عددا من الإصلاحات في الإدارة والتجنيد وجباية الضرائب ، غير أن النجاح في هذا المضمار ظل محدودا. فسياسة الباب العالي المترددة ، وعدم استقرار الموظفين الكبار في مواقعهم لفترات طويلة ، إذ كانوا ينقلون سنويا ، والصراعات في إستنبول بشأن الإصلاحات ، عرقلت تجسيد التنظيمات التي نصّت عليها المراسيم السلطانية. وفي المقابل ، لم تفعل التهديدات باستعمال القوة فعلها في ردع الزعماء المحليين وكبح جماحهم. وكما توصل الطرفان ـ السلطة المركزية والزعماء ـ إلى