في إستنبول ، التي أنشئت سنة ١٨٦٠ م. واستعان الموظفون الأتراك ، في جميع المراتب الإدارية المسؤولة بمجلس يمثل طبقات الشعب كلها وفئاته وطوائفه. وإذ لم يضع هذا الترتيب حدّا نهائيا للفساد وسوء استعمال السلطة ، فإنه قلص إلى حد كبير الاستئثار الفردي بها ، ومنح فئات الشعب قسطا من إدارة شؤون مجتمعهم. وبينما بقيت سلطة الزعماء العشائريين قائمة ، إلّا إن تجاوزاتهم تقلصت ، وتراجعت الصراعات بينهم ، وبذلك قلّت أهميتهم ، وبالتالي تفككت التركيبات العشائرية.
وفي التنظيم الجديد ، تبعت متصرفية فلسطين ولاية سورية ، وظل يحكمها متصرف مقرّه القدس. وكان يتبعها تسعة أقضية ، هي : القدس والخليل وغزة واللد ونابلس والسامرة وبلاد الشقيف وبلاد حوران والغور الشرقي. ثمّ فصلت متصرفية القدس عن ولاية سورية (١٨٧٣ م) ، واتبعت مباشرة لإستنبول. وكان من أسباب ذلك كثرة مشكلات هذه المتصرفية ، التي تسبب في قسط كبير منها قناصل الدول الأوروبية الذين زاد عددهم ، واشتد التنافس بينهم ، وبالتالي تدخلهم في إدارة شؤون البلاد. ولأن الوالي لم يستطع التعامل مع هذه المشكلات لحساسيتها بالنسبة إلى الباب العالي ، فقد أحيلت إلى هذا الأخير مباشرة. وفي سنة (١٨٨٧ م) ، شكلت ولاية بيروت ، نظرا إلى أهميتها تجاريا وسياسيا. وتبع هذه الولاية سنجق عكا ، الذي ضمّ أقضية حيفا وطبرية وصفد والناصرة ، كما تبعها سنجق البلقاء ـ نابلس ، الذي ضم قضاءي جنين وطولكرم (بني صعب).
ويتضح من الإجراءات الإدارية التي اتخذها الباب العالي في بلاد الشام بعد الانسحاب المصري ، أنه كان يرمي إلى فرض حكم إستنبول المباشر على هذه البلاد التي ظلت منذ الاحتلال العثماني تتمتع بنوع من الحكم الذاتي المحلي ، في الإطار العام للسلطنة. وذلك ، ليس فقط في الريف وأطراف الصحراء ، حيث القبائل القوية والزعماء المحليون فرضوا هيمنتهم ، وإنما أيضا في المدن ، حيث عائلات غنية أقامت لنفسها جيوشا خاصة بها. لكن الإجراءات العثمانية المتخذة لتحقيق هدف المركزية ظلت تعتورها الثغرات ، وبالتالي تنقصها النجاعة في الأداء. وإذ تقصلت سلطة الولاة ، وتبعا لذلك قدرتهم على التفرد والتمرد على المركز ، فقد برز عجزهم في إدارة شؤون البلاد بعد الاستقرار السياسي. وبينما أخضع الموظفون الكبار إلى المراقبة والمحاسبة والنقل الدوري ، فإن الفساد الذي تفشى في الأجهزة والمراتب الدنيا ظل على ما كان عليه ، بل استشرى. وكذلك الحال بالنسبة إلى ضباط وأفراد الجيش المحلي ، غير النظامي. وعلى العموم ، فإن أوضاع البلاد الاقتصادية راحت