من قناصل الدول الأوروبية ، وتواطؤ بعض الموظفين العثمانيين ، قد سرعت في تنامي الشعور الوطني وتبلور الوعي القومي ، لدى قطاعات واسعة من سكان فلسطين. وقد عمّ هذا الشعور سكان الريف والمدن على حد سواء ، ولم تخرج عنه سوى فئة صغيرة من الملاكين ، الذين بأغلبيتهم كانوا غائبين عن الأرض ، وقد أغرتهم الأثمان العالية التي دفعها لهم السماسرة للتنازل عن ملكية الأرض. أمّا التجار والحرفيون والمثقفون ، فقد انحازوا إلى الموقف الوطني بدافع الشعور القومي ، ومن منطلق الحفاظ على المصالح الاقتصادية ، التي تتهددها الهجرة اليهودية الواسعة. وتحت ضغط الرأي الشعبي العام ، تقدم أعيان القدس بالتماس إلى الباب العالي في ٢٤ حزيران / يونيو ١٨٩١ م ، يطالبون فيه بوضع حد للهجرة اليهودية إلى فلسطين. واستجابت إستنبول للالتماس ، وأصدرت مرسوما يمنع بيع أراضي الدولة (الميري) لليهود ، من دون استثناء (١٨٩٢ م). ولم تجد نفعا احتجاجات اليهود العثمانيين ، الذين شكلوا غطاء للصهيونية للالتفاف على القوانين ، ولا اعتراضات قناصل الدول الأوروبية ، في زحزحة الباب العالي عن موقفه ، الذي دعمه السلطان عبد الحميد بحزم.
وأدّت الصحف العربية الناشئة حديثا دورا مهما في التعريف بالصهيونية وأهدافها ، والتحريض على مقاومتها. فقد كتبت «المقتطف» (١٨٩٨ م) مقالا مناهضا للصهيونية وأهدافها ، كما جرى التعبير عنها في مؤتمر بازل ، وأكدت تقديرها فشل المشروع الصهيوني ، ومعارضة الدولة العثمانية له ، ودعت إلى حل «المسألة اليهودية» في روسيا ورومانيا وبلغاريا محليا. وفي السنة نفسها ، تناول الشيخ محمد رشيد رضا الموضوع في «المنار» ، ونبّه إلى مخاطر الصهيونية على العرب ومستقبلهم. ويتضح من كتاباته اللاحقة أنه أدرك أبعاد المشروع الصهيوني ، وأن المسألة لا تتوقف عند إيجاد ملجأ لليهود المضطهدين في بعض دول أوروبا ، وإنما تتعدى ذلك إلى استملاك فلسطين وإقامة كيان سياسي يهودي فيها. وناشد محمد رشيد رضا العرب النهوض والتصدي للنشاط الصهيوني قبل فوات الأوان. وفي سنة ١٩٠٥ م أوضح نجيب عازوري ، في مقدمة كتابه «يقظة الأمة العربية» ، أخطار الصهيونية على الوطن العربي ، مشيرا إلى الصراع الدموي الذي سيتولد عن محاولات تجسيد المشروع الصهيوني في فلسطين.
وبعد انقلاب تركيا الفتاة (١٩٠٨ م) ، وبروز تعاطف قياداتها مع الصهيونية ، وانكفائها عن المواقف السابقة ، ازدادت حدة المقاومة العربية لها. وإضافة إلى الحملة في الصحف ، ظهرت كتابات ، أدبية وتاريخية ، تحرض العرب على مناهضة