والارتباط العضوي بالإمبريالية العالمية. وتبرز عنصريته في تجاهل كون فلسطين آهلة بالسكان ، ونظرته الدونية إليهم ، على الرغم من زيارته لها ووقوفه على الواقع الحضاري والعمراني فيها. ومع ذلك ، كرّس جل اهتمامه للتخلص من هؤلاء العرب الفلسطينيين ، تمهيدا لتهويد البلد عبر تغييب سكانها الأصليين ، وقطع صلتهم التاريخية بوطنهم. بل يذهب هيرتسل في عنصريته إلى أبعد من ذلك ، إذ يطرح توظيف هؤلاء السكان في التمهيد للاستيطان الصهيوني على أرضهم ، قبل نقلهم إلى أماكن أخرى ، فيقول : «إذا ما انتقلنا إلى منطقة توجد فيها حيوانات متوحشة لم يعتد عليها اليهود ـ أفاع كبيرة وغير ذلك ـ فسوف أستخدم سكان البلاد ، قبل ترحيلهم إلى الدول التي سينقلون إليها ، من أجل القضاء على هذه الحيوانات.»
ولأن هيرتسل كان يعي أن العقبة الرئيسية أمام مشروعه تكمن في إقناع التجمعات اليهودية الأوروبية ـ مادة المشروع ـ بقبوله ، فقد توجه إليهم بعدد من المقولات التبريرية والذرائعية. فادّعى أن المسألة اليهودية ليست قضية اجتماعية أو دينية ، إنما هي قومية. وعلى هذا الأساس يجب حلها ، عبر جعلها قضية سياسية عالمية. ودعا اليهود إلى اعتبار أنفسهم وحدة ، بغض النظر عن شتاتهم. ولتحريكهم للاستجابة لمشروعه ، دعا إلى استغلال حالة البؤس والعزلة التي يعيشونها ، ولم يتورع هيرتسل عن توظيف «اللاسامية» ، وردة فعل المحيط السلبية إزاء اليهود ، في هذا السبيل ، فيقول : «العداء للسامية ، الذي يؤلف قوة كبيرة ودعاية بين الجماهير ، لن يلحق الأذى باليهود ، وأنا أعتبره حركة نافعة للوجود اليهودي.» ويؤكد هيرتسل : «لا يوجد إنسان يملك من الثروة والسلطان ما يكفي لاقتلاع أمة ونقلها من بيئة طبيعية إلى أخرى. الفكرة وحدها تستطيع إنجاز ذلك ، وفكرة الدولة هذه تملك القوة اللازمة.» ويؤكد للتجمعات اليهودية أن هجرة أفرادها إلى فلسطين وإقامة دولة هناك ، سترفعان من مستواهم الاجتماعي والاقتصادي ، إلى جانب الروحي والمعنوي.
ولإقناع الدوائر الإمبريالية بتبني مشروعه ، فقد أسسه هيرتسل على نظرية «رسالة الرجل الأبيض التحضيرية» ، تقليدا للاستعمار الغربي. أمّا الدولة اليهودية فقد صوّرها على أنها «سوف تشكل هناك جزءا من متراس أوروبا في آسيا ، يكون مخفرا أماميا للحضارة ضد البربرية ، ويتوجب علينا ، كدولة محايدة ، أن نبقى على صلة بكل أوروبا التي سيكون عليها أن تضمن وجودنا.» وعندما أطلق هيرتسل ساقيه للريح باحثا عن دولة كبرى تتبنى مشروعه ، وتأخذ على عاتقها أن تشكل «البلد الأم» بالنسبة إليه ، راح يعرض على كل رئيس دولة أو حكومة الخدمات التي افترض أنه يرغب فيها. فعلى السلطان العثماني عرض المال والخبرة اليهودية لسداد ديونه ، وعلى