إمبراطور ألمانيا أن تشكل «دولة اليهود» محمية ألمانية ، مرتبطة بما سماه «المجال الحيوي الشرقي» لألمانيا. وفي لندن عرض على تشمبرلين ، وزير المستعمرات آنذاك ، أن تقوم الدولة الصهيونية بحماية قناة السويس. وفي روسيا تعهد لوزير داخليتها ، بليفيه ، المعروف ببطشه باليهود ، أن يخلص روسيا من العناصر اليهودية المنخرطة في الحركات الاشتراكية والثورية ، والتي صارت تهدد حكومة القيصر.
وبعد عام من نشر كتابه ، نجح هيرتسل في عقد المؤتمر الصهيوني الأول برئاسته ، في مدينة بازل (بال) السويسرية (١٨٩٧ م) ، وبحضور ١٩٧ مندوبا عن الهيئات والمنظمات والجمعيات الصهيونية المتعددة في العالم. وكان المؤتمر منعطفا في العمل الصهيوني ، إذ تأسست به «المنظمة الصهيونية العالمية» وأقر نظامها الداخلي وهيكلها التنظيمي وشروط العضوية فيها ، التي فتحت الباب أمام كل يهودي يتبنى «برنامج بازل» ، ويدفع رسم الاشتراك (الشيكل). وبعد المؤتمر ، انصرفت المنظمة الصهيونية ، عبر هيئاتها المنتخبة ، إلى العمل على جبهتين : يهودية ، ترمي إلى استقطاب اليهود للمشروع الصهيوني ؛ ودولية ، تسعى لكسب التأييد الدولي له ، على قاعدة برنامج بازل. وكان القرار الأساسي الذي اتخذه المؤتمر ينصّ «أن غاية الصهيونية هي إيجاد وطن للشعب اليهودي في فلسطين ، يضمنه القانون العام.» وحدّد المؤتمر محاور العمل الصهيوني ، كما يلي : ١) العمل على استعمار فلسطين بالعمال اليهود ، الزراعيين والصناعيين ، وغيرهم ؛ ٢) تنظيم يهود العالم في منظمات محلية ودولية تتلاءم مع القوانين المتبعة في كل بلد ؛ ٣) تقوية المشاعر اليهودية والوعي القومي اليهودي ؛ ٤) اتخاذ الخطوات التمهيدية للحصول على الموافقة الضرورية (البراءة) لتحقيق أهداف الصهيونية.
وفي الواقع ، فإنه بعد انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول ، تزايدت وتيرة النشاط الصهيوني في المجالات الأربعة التي حددها برنامج بازل. فعلى صعيد الاستيطان ، انطلقت «الهجرة الثانية» (١٩٠٤ م) ، وأساسا من أوروبا الشرقية. وكان المهاجرون في الأغلب من أبناء الطبقة الوسطى ، الذين تأثروا بالأفكار الاشتراكية التي راجت في روسيا آنذاك ، وبالتحديد بصيغتها «اليهودية ـ الصهيونية» (البوند). وقد أدّت الاضطرابات التي اندلعت في كيشينيف (١٩٠٣ ـ ١٩٠٥ م) ، بما واكبها من اضطهاد لليهود ، دورا في تحريك هذه الموجة من الهجرة الصهيونية. كما استعمل هؤلاء الشعارات الاشتراكية التي تعلموها في روسيا كغطاء للتهويد الاستيطاني ، عبر طرح شعار «العمل العبري» ، الذي كان في الأساس يرمي إلى مقاطعة العمل العربي ، أي استبدال العمال العرب في المستعمرات اليهودية بمهاجرين