بالسرعة القصوى ، وخصوصا في مقابل الضرر الذي قد يجلبه على الحركة الصهيونية ، جراء ردّات الفعل السلبية على ذلك التسلل غير الشرعي ، من قبل المراكز السياسية التي هي الركائز الأساسية التي يبني عليها هيرتسل آماله في تجسيد مشروعه ـ أي على الشراكة بين الصهيونية وتلك المراكز الإمبريالية.
وخلال الأعوام الستة الأولى لقيامها ، أصرّت الحركة الصهيونية ، بقيادة هيرتسل ، على التشبث بأولوية الحصول على البراءة الدولية ، قبل فتح باب الهجرة الواسعة إلى فلسطين ، وخصوصا نتيجة قرار الحظر العثماني عليها. وفي غياب دعم يهودي واسع للمشروع الصهيوني ، وانعدام الثقل السياسي للمنظمة الصهيونية في تلك المرحلة ، كان هيرتسل مقتنعا بأن مشروعه سيبقى حبرا على ورق ، إذا لم يستطع تسويقه في مركز إمبريالي ، أو أكثر. وهكذا انطلق هيرتسل في حملة دبلوماسية واسعة النطاق ، قادته إلى عدد من العواصم الأوروبية وإستنبول ، حيث عرض خدمات الحركة الصهيونية على كل منها ، بالصورة التي اعتقدها تلبي حاجاتها ومصالحها في الشرق الأوسط ، على الرغم من تضارب العروض. وفي الأساس ، كان يطرح على رؤساء تلك الدول ، أو على بؤر سياسية فاعلة فيها ، تعاونا على أساس المصالح المشتركة ، مؤكدا لكل منها أن الكيان الصهيوني المزمع إقامته سيكون حارسا أمينا لمصالحها. وبداية أراد توظيف وساطة ساسة تلك الدول لدى السلطان العثماني لرفع الحظر عن هجرة اليهود إلى فلسطين والاستيطان فيها.
ونتيجة الصداقة المترعرعة بين ألمانيا والسلطنة العثمانية في نهاية القرن التاسع عشر ، والتي تكثفت إلى حد التحالف في الحرب العالمية الأولى ، رأى هيرتسل أن وساطة قيصر ألمانيا لدى الباب العالي ، سترفع الحظر العثماني عن هجرة اليهود إلى فلسطين. في المقابل ، خطط هيرتسل لاستغلال الأطماع الألمانية في فلسطين ، من جهة ، ورغبة القيصر ويلهلم الثاني (١٨٨٨ ـ ١٩١٩ م) الدفينة في التخلص من الأعداد الكبيرة من اليهود في بلاده ، أو على الأقل ، إبعاد العناصر المشاركة منهم في الحركات اليسارية والثورية المناوئة له ، من جهة أخرى. وانتهز هيرتسل فرصة زيارة القيصر للقدس (١٨٩٨ م) ، وسافر للقائه هناك. واقترح هيرتسل على القيصر أن تتبنى ألمانيا الحركة الصهيونية ، وبالتالي تتوسط لدى السلطان لمنحها «الأرض الواقعة بين الفرات والنيل للاستيطان.» ولكن القيصر لم يتحمس للفكرة ، وكان رده فاترا ، إذ لم يشأ أن يتسبب في توتير العلاقة بين بلاده والسلطنة العثمانية ، بل على العكس ، كان يسعى لتطوير الصداقة بينهما ، في إطار المسألة الشرقية و «اندفاع الألمان إلى الشرق.»