بالإفادة من رؤوس الأموال اليهودية غير الصهيونية ، في تمويل الصندوق القومي اليهودي لشراء الأراضي في فلسطين. وانشق المتدينون ، بزعامة الحاخام يتسحاق راينس ، احتجاجا على اشتداد النزعات الراديكالية والعمالية في المؤتمر الصهيوني ، وأقاموا «حركة همزراحي» (المركز الروحي) ، ولكن في إطار المنظمة الصهيونية العالمية. وفي المؤتمر السادس (بازل ١٩٠٣ م) ، احتدم الخلاف بشأن «مشروع أوغندا». وفي المؤتمر السابع (بازل ١٩٠٥ م) ، كان هيرتسل قد مات ، وانتخب دافيد ولفسون بديلا منه. وبغياب هيرتسل ، الشخصية القادرة على لملمة الأوضاع في المنظمة ، استعر الجدل بين أنصار مشروع أوغندا والمتشبثين بفلسطين. وهزم الأوغنديون ، وانشقوا بزعامة يسرائيل زانغويل ، وأسسوا «المنظمة الإقليمية اليهودية» التي حلّت نفسها سنة ١٩٢٥ ، بعد فشل مخططاتها.
ولعل أبرز أحداث المؤتمر الصهيوني السابع هو ظهور «التيار الصهيوني العملي» كقوة فاعلة ، وخصوصا في أوساط ممثلي روسيا ، الذين دعوا إلى التخلي عن المبدأ الذي وضعه هيرتسل ـ الحصول على البراءة الدولية قبل الشروع في الاستيطان. واشتد الصراع بين هذا التيار وأصحاب المنظور السياسي من أتباع هيرتسل ، ومنهم رئيس المنظمة الجديد ، ولفسون. وراح هذا التيار يقوى حتى استطاع إزاحة ولفسون ، واستبدله بالبروفسور أوتو واربرغ (١٩١١ م). وتحت تأثير هذا التيار اتخذ المؤتمر الثامن (لاهاي ١٩٠٧ م) قرارا بمباشرة النشاط الاستيطاني على نطاق واسع في فلسطين. وبداية أنشىء مكتب فلسطين (١٩٠٨ م) ، بإشراف وإدارة آرثر روبين. وفي هذا المؤتمر ، طرح ماكس نوردو ، أحد أبرز قادة العمل الصهيوني ، منظوره لهذا العمل بقوله : «الذهاب إلى فلسطين بمثابة الحملة المعتمدين للمدنية والتحضير ورسالتنا تقوم على توسيع الحدود الأخلاقية (الأدبية) لأوروبا حتى تصل إلى الفرات.» (١) وهدّأ نوردو روع اليهود الأوروبيين المتخوفين من تحوّل المهاجرين منهم في الشرق إلى آسيويين.
ومنذ سنة ١٩٠٨ م بدأ الصهيونيون العمليون النشاط الاستيطاني بوتيرة عالية ، تحت الشعار الذي أطلقه أوتو واربرغ ـ «سياسة التغلغل الاقتصادي». ودعاة هذه السياسة تطلعوا إلى انسجام أعلى مع المناخات الأوروبية السائدة من حولهم. ورأوا في مشروعهم الاستيطاني امتدادا لسياسة أوروبا العامة في الخارج. وقد اقتنع هؤلاء
__________________
(٣) وزارة الدفاع الوطني ـ الجيش اللبناني ، ومؤسسة الدراسات الفلسطينية ، «القضية الفلسطينية والخطر الصهيوني» (بيروت ، ١٩٧٣) ، ص ٦٧ ـ ٦٨.