العثمانية المفلسة. وكان أهم هذه المشاريع بناء خطوط السكك الحديدية. واحتدم هذا التنافس مع دخول ألمانيا على هذا الخط ، عبر علاقاتها مع الأتراك الجدد ، والعمل على بناء «خط الشرق السريع» ، بين إستنبول وبغداد ، مرورا بالإسكندرون.
وأثار ترسيخ أقدام فرنسا في لبنان وسورية ، وألمانيا في إستنبول نفسها ، مخاوف بريطانيا ، وخصوصا ممثليها في القاهرة ، إذ إن المندوب السامي اللورد كيتشنر ، اعتقد أن تركيا قد تقوم بهجوم لاسترداد مصر ، بمساعدة دولة حديثة ، مثل ألمانيا أو فرنسا. وحتى بعد «معاهدة الصداقة» (١٩٠٣ م) بين فرنسا وبريطانيا ، التي بموجبها اعترف كل طرف بمصالح الآخر ، ظلت العلاقة بين الطرفين تتميّز بالتنافس. ولذلك ، رأى كيتشنر ضرورة إقامة كيان سياسي يهودي في فلسطين ، بين عكا والعقبة. وقد زاد في مخاوفه بناء «سكة حديد الحجاز» (١٩٠٦ م) بين دمشق ومكة ، وخصوصا بعد أن طلب الأتراك من ألمانيا استكمال فرع درعا ـ حيفا ، ليصل إلى رفح ، ومن ثمّ بناء فرع بين معان والعقبة. ومن مقره في القاهرة ، أدار كيتشنر دعاية مضادة لفرنسا في سورية ، الأمر الذي أدّى إلى توتير العلاقة بين الدولتين. وإزاء هذه السياسة البريطانية جرى تقارب بين فرنسا وألمانيا ، واشترك الطرفان بإقامة خطوط سكك حديدية. فدخل الأطراف الثلاثة في تنافس محموم بشأن وضع مشاريع لبناء سكك الحديد.
إن الشرارة التي أشعلت نار الحرب العالمية الأولى ، حدثت في ساراييفو ـ البوسنة. ولكنها ، على خلفية التنافس بين الدول الرأسمالية بشأن بسط نفوذها على المستعمرات والموارد والأسواق ، وعلى أرضية التحالفات القائمة على المصالح وموازين القوى ، سرعان ما انتشرت إلى جميع بقاع الأرض ، فاستحقت بذلك عن جدارة اسم «الحرب العالمية الأولى». ومع اندلاع الحرب ، جرّ كل من المعسكرين إليها الأقطار العربية الواقعة تحت حكمه. وعلى العموم ، كان كل قطر عربي يقف ضد القوة التي تحكمه ، الأمر الذي يشير إلى نزعة الاستقلال القوية لدى شعوب الأمة ، التي أملت أن تناله في نهاية الحرب. ولعل التناقض الصارخ على هذا الصعيد كان في بلاد الشام ، إذ تمحورت الحركة القومية حول التخلص من الحكم العثماني. وعندما دخلت تركيا الحرب إلى جانب دول المحور ، وجدت نفسها في بلاد الشام تقاتل على أرض معادية ، كما وجد الشعب العربي هناك نفسه تحت حكم عسكري معاد. وكانت سنوات الحرب عسيرة على الناس ، ومدمرة للبلاد التي كانت مسرح عمليات الجيش الرابع العثماني ، بقيادة أحمد جمال باشا. ولم يدّخر هذا وسيلة للتنكيل بالقوى والشخصيات الوطنية ، أو الاعتداء على السكان ونهب ممتلكاتهم وأرزاقهم وتسخيرهم في الأعمال الإجبارية. ولسنين طويلة ظلت ذكريات أيام الحرب