الأولى للحرب. فالقوى التي رأت دعم تركيا ، بغض النظر عن صوابية موقفها أو عدمها ، فقدت التأييد الجماهيري لها ، بعد الهزائم التي مني بها العثمانيون ، ونتيجة ردات فعل الناس على سلوك الجيش التركي في الولايات العربية. وبرز بين الداعين إلى مناصرة تركيا ، في إطار «الجامعة الإسلامية» ، وتحت شعار «الجهاد المقدس» ، كل من عبد الرحمن الشهبندر ومحمد كرد علي. وتقرب جمال باشا منهما ، ووعد بإعطاء الولايات العربية استقلالها بعد الحرب ، وصدرت الصحف الناطقة بلسانهما تناصر هذا الخط ، وتشكلت جبهة عربية ـ عثمانية معادية للدول الأوروبية. لكن هذه الجبهة تصدعت سريعا ، بعد اكتشاف مدى تغلغل ألمانيا في الحكومة العثمانية ، وردات الفعل الشعبية في الولايات العربية على هزيمة الجيش التركي ، وسوء تصرفه في الحرب التي خاضها ، وإدارته لها.
وكان واضحا منذ البداية أن أغلبية القوميين العرب كانت مع الاستقلال ، وبالتالي مناهضة الحكم العثماني. وجاءت الحرب ، بطرق إدارتها ونتائجها ، لتزيد في النقمة العربية على هذا الحكم. وقد أدّت سياسة جمال باشا القمعية إزاء الوطنيين العرب ، من جهة ، والنشاط الذي قام به الحلفاء لاستمالتهم ، من جهة أخرى ، دورا في تلبية روح الثورة على العثمانيين في الولايات العربية الواقعة تحت حكمهم. وإزاء الاستجابة الواسعة للدعاية المضادة للعثمانيين ، والتي كانت تصدر من القاهرة ، برعاية بريطانية ، تصاعدت وتيرة قمع جمال باشا للوطنيين العرب والتنكيل بقياداتهم. وراح يتجسس على نشاط المثقفين والضباط الوطنيين ، ووقعت في يده معلومات عن اتصالات يجريها بعضهم مع قناصل فرنسا ، توحي بالإعداد لثورة عربية ضد العثمانيين. فشنّ جمال باشا حملة عنيفة على الحركة الوطنية العربية ، برموزها وصحفها ومقرّاتها. وقدم للمحاكمة بتهمة الخيانة العظمى الكثيرين من رجالاتها ، وأعدم بعضهم ، وأودع السجن آخرين.
وقبل دخول تركيا الحرب إلى جانب ألمانيا ، كانت بريطانيا قد أجرت اتصالات أولية مع الشريف الحسين بن علي ، أمير الحجاز. وبعض هذه الاتصالات تمّ عبر أحد أبنائه ، عبد الله بن الحسين ، (ملك الأردن لاحقا) ، الذي كان عضوا في البرلمان العثماني ، واستغل سفره بين إستنبول والحجاز لإجراء اتصالات مع الإدارة البريطانية في القاهرة. وعندما نشبت الحرب ، وأصبح الشرق الأوسط أحد مسارحها ، عاد البريطانيون إلى إحياء تلك الاتصالات ، وبصورة أكثر إلحاحا ، وطرحوا على الشريف الثورة ضد العثمانيين. وبينما رأى الشريف في ذلك فرصة لتحقيق أحلامه في الخلافة ، رأى فيه الإنكليز المرشح الأفضل لقيادة الحركة الوطنية العربية ، لما كانوا