يعرفونه من موقف رموزها في بلاد الشام. وامتنع الشريف من إعلان الجهاد ، وسانده في ذلك الشريف إدريس في اليمن ، وابن سعود في نجد ، وابن رشيد في الكويت. وإذ راح الحسين بن علي يحرق جسوره مع العثمانيين ، فإن محادثات ابنه عبد الله مع الإدارة البريطانية في القاهرة ، لم تسفر عن اتفاق يلبي طموحاته ، وخصوصا بعد الاتصالات التي أجراها ابنه الآخر ، فيصل ، مع قادة الحركة الوطنية في دمشق.
وبينما استمر عبد الله بن الحسين في اتصالاته مع المندوب السامي البريطاني في القاهرة ، السير هنري مكماهون ، الذي حل محل اللورد كيتشنر ، والذي بدوره أصبح وزير الحرب البريطاني ، أجرى الشريف اتصالات مع القبائل في الجزيرة العربية ، ومع الحركة الوطنية في بلاد الشام. وفي ربيع سنة ١٩١٥ م ، أرسل ابنه فيصل إلى إستنبول ، في الظاهر لاستجلاء موقف العثمانيين من الشريف بعد الحرب ، وفي الباطن لإجراء اتصالات مع القوميين العرب في دمشق. وكان فيصل قريبا من هذه الأوساط ، إذ انتمى إلى جمعية العهد السرية ، وكانت له صلات مع جمعية العربية الفتاة. وفي اجتماعاته السرية مع قادة العمل القومي في دمشق ، نصحه هؤلاء بالتعاون مع الإنكليز ، إذا قبلوا بشروط «بروتوكول دمشق» ، الذي كانت النقطة المركزية فيه اعتراف الإنكليز باستقلال «الدولة العربية» في حدودها الطبيعية بعد الحرب. وإذا تمسّك الشريف حسين بهذه الشروط ، قبلت به الحركة القومية قائدا لها.
ويقضي بروتوكول دمشق بأن تكون حدود الدولة العربية المحيط الهندي في الجنوب ، وخط العرض ٣٧ في الشمال ، وبذلك تضم بلاد الشام والعراق والجزيرة العربية ، ما عدا عدن. كما اشترط البروتوكول إنهاء نظام الامتيازات لقاء عقد حلف دفاعي مع بريطانيا ، ومنحها أفضلية اقتصادية لمدة خمسة عشر عاما. وشكّل هذا البروتوكول نقطة انعطاف في عمل الحركة القومية العربية ، إذ حسمت سياستها تجاه العثمانيين ، من جهة ، والبريطانيين من جهة أخرى. وعلى الصعيد العربي ، شكّل البروتوكول إعلانا بالتحالف بين قوى المثقفين والضباط والبورجوازية العربية الناشئة ، وبين الإقطاع الديني ـ السياسي ، الذي مثله الشريف حسين ، بل أكثر من ذلك ، قبول تلك القوى العمل تحت قيادة الشريف. وإذ شكّل ذلك ركيزة قوة عربية للشريف ، الذي قبل بشروط البروتوكول ، فإن تمسكه بها عقّد المحادثات مع مكماهون ، الذي رأت حكومته أن موقف الشريف هذا غير مقبول ، على خلفية المخططات التي رسمتها للمنطقة بعد الحرب ، وخصوصا ما يتعلق منها بفلسطين ، ومطالب الحركة الصهيونية العالمية فيها.
وبعد عودة فيصل من دمشق ، استأنف الشريف حسين المفاوضات مع