النصر في الحرب سيكون من نصيب ألمانيا ، التي عبر تحالفها مع السلطنة العثمانية ستحقق للصهيونية أهدافها في فلسطين. وبينما وقف يهود ألمانيا إلى جانب بلدهم في الحرب ، برز في بريطانيا حاييم وايزمن ، الروسي الأصل ، كزعيم الأمر الواقع في الحركة الصهيونية ، متحالفا مع لويس براندايس في الولايات المتحدة. واستطاع هذان أن يجندا دعما كافيا في بريطانيا والولايات المتحدة لاستصدار وعد بلفور ، عندما بانت نتائج الحرب العالمية الأولى ، ومن ثمّ ضمان أن توضع فلسطين تحت «الانتداب» البريطاني في مؤتمر السلام الذي سوّى المسائل الناجمة عن تلك النتائج.
وكان انحياز زعماء الحركة الصهيونية في ألمانيا إلى بلدهم في الحرب قد أزعج زعماء آخرين في بلدان أخرى ، وخصوصا أولئك الذين أرادوا التروي قبل إعلان موقف محدد ، قد ينعكس سلبا على العمل الصهيوني ، ورأوا من الأفضل الانتظار وقراءة موازين القوى بدقة ، ومن ثمّ تحديد الموقف في ضوء المعطيات المتوفرة. وكان على رأس هؤلاء حاييم وايزمن ، الذي سارع إلى اقتراح نقل المركز الصهيوني موقتا إلى الولايات المتحدة ، متذرعا بحيادها في الحرب خلال الأعوام الأولى ، كما طرح تشكيل لجنة طوارىء تنفيذية ، تكلف بإدارة العمل الصهيوني إلى أن تنتهي الحرب ، وخصوصا نتيجة انعدام إمكان عقد المؤتمر الصهيوني في مواعيده. ومع أن اقتراح وايزمن لم يقبل ، إلّا إنه أقيمت لجنة برئاسة لويس براندايس في الولايات المتحدة (١٩١٤ م) ، وذلك بعد أربعة أعوام على استقطابه للحركة الصهيونية. ونشط براندايس ، بمساعدة أثرياء يهود أميركا ، في الترويج للأهداف الصهيونية على الساحة ، والحصول على دعم الحكومة الأميركية في إقناع الدول الكبرى بقبول البرنامج الصهيوني بالنسبة إلى فلسطين. وقد أصاب نشاط براندايس نجاحا كبيرا في أوساط يهود أميركا ، لكنه اصطدم بمعارضة قطاعات أحست بخطر الصهيونية عليها في أميركا. أمّا النجاح الأكبر الذي حققه براندايس فكان على الصعيد السياسي ، والمساهمة في إقناع الرئيس ودرو ولسون بدخول الحرب.
ولدى اندلاع الحرب ، أولى المعسكران المشتبكان أهمية كبرى لكسب يهود العالم ، كل إلى جانبه ، مستفيدا من وعود يقدمها للحركة الصهيونية. وكان يهود الولايات المتحدة محطّ أنظار الجانبين ، إذ طمع كل منهما في انحيازهم إليه. وتنافست بريطانيا وفرنسا وألمانيا بشأن خطب ودّ اليهود ، وخصوصا على صداقة بيوت المال التي يسيطرون عليها ، نظرا إلى حاجة حكوماتها للأموال والقروض. وكانت المؤسسات المالية اليهودية ـ لازار وماير وسليغمان وسباير وواربرغ وروتشيلد ـ تدير عمليات كبيرة في الولايات المتحدة وأوروبا. كما أراد