المعسكران استغلال تأثير اليهود في السياسة الداخلية الأميركية ، وبالتالي حسم موقف أميركا من مسألة الدخول في الحرب ، أو عدمه. وكان طبيعيا أن تستغل الصهيونية هذا التنافس بين الأطراف المتحاربة لمصلحة مشروعها الاستيطاني في فلسطين. واستطاعت قيادة العمل الصهيوني في برلين حمل الحكومة الألمانية على ممارسة نفوذها في إستنبول لمصلحة المشروع الصهيوني وحماية المستعمرات في فلسطين ، كما عملت على الساحة الأميركية بتوظيف المنظمات الصهيونية في إبعاد أميركا عن دخول الحرب إلى جانب الحلفاء. في المقابل ، سعت كل من فرنسا وبريطانيا لكسب الموقف الصهيوني إلى جانب الحلفاء ، وتوظيفه في تشجيع أميركا على دخول الحرب في معسكرهم. لكن نقطة الضعف في تحركهما كان تحالفهما مع روسيا ، التي كان جمهور يهود الولايات المتحدة يكن لها العداء ، الأمر الذي دعاهما إلى تقديم العروض المغرية للصهيونية تعويضا عن ذلك.
وإزاء المعسكر الصهيوني المنحاز إلى ألمانيا ، عمل تحالف وايزمن ـ براندايس على تجنيد كل الطاقات الصهيونية والصديقة لها ، وزجها في المعركة إلى جانب الحلفاء لكسب الحرب ، على أساس وضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني بعد انتهائها ، وفتح أبوابها لهجرة يهودية واسعة ، وتسليمها للمستوطنين الصهيونيين عندما تصبح الأوضاع ملائمة لذلك. ولعل أهمّ ما قام به براندايس في الولايات المتحدة هو المساهمة الفعّالة في حمل الإدارة الأميركية على دخول الحرب إلى جانب الحلفاء. وكان صدور وعد بلفور ثمرة للنشاط الصهيوني في أثناء الحرب ، ولما أخذته الصهيونية على عاتقها من تسخير مشروعها الاستيطاني في خدمة المصالح الإمبريالية في المنطقة. وبينما أدّت بريطانيا الدور الأساسي في نقل الفكرة الصهيونية إلى حيز التطبيق ، فإن الولايات المتحدة ، في تلك المرحلة المبكرة من العمل الصهيوني ، ساهمت مساهمة كبيرة على هذا الصعيد. وتفيد المصادر البريطانية نفسها (تقرير اللجنة الملكية لفلسطين) ، نقلا عن رئيس حكومة جلالة الملك ، لويد جورج ، قوله إن زعماء الصهيونية حصلوا على وعد بلفور لأنهم برّوا بوعدهم في عمل ما بوسعهم لإيقاظ عاطفة اليهود في أنحاء العالم كافة وتأليبهم لمعاضدة قضية الحلفاء. (١)
وعلى أرضية الحسابات السياسية لحكومة بريطانيا في حينه ، قام النشاط السياسي والدبلوماسي الصهيوني ، بقيادة حاييم وايزمن ، خلال الحرب. وقبل نهايتها ، نجح في استصدار وعد بلفور. وكان البيان قد عرض على الرئيس الأميركي ، ودرو
__________________
(٥) John Hadawi ,op.cit.,Vol.I ,p.٨٧.