رأت جماعة براندايس أن يقوم الصندوق بتمويل مشاريع الاستيطان بصورة محددة ، وعلى أساس علاقة رأسمالية ، ويخضع لسلطة المنظمة الصهيونية الأميركية ، الممول الرئيسي للصندوق. وقد نجح وايزمن في تثبيت رأيه ، على الرغم من أن معظم الأموال الواردة إليه جاءت من الولايات المتحدة. واعتزل براندايس مهماته في المنظمة الصهيونية ، وانتخب وايزمن رئيسا لها ، وناحوم سوكولوف رئيسا للجنتها التنفيذية. وبذلك هيمنت سياسة وايزمن على عمل المنظمة الصهيونية العالمية.
ولدى عودته إلى الولايات المتحدة بعد المؤتمر ، كتب براندايس مذكرة إلى المنظمة الصهيونية الأميركية ، جاء فيها ما يلي : «لقد وصلنا إلى مفترق طرق ... فلم نعد حركة دعاوية إلّا بالدعاية المنبثقة من فهم الواقع وإنجاز مشاريع ملموسة. وإضافة إلى ذلك ، فعلينا ألّا نغفل حقيقة أن مخططاتنا يجب أن تكون بالصورة التي تستدعي التعاون الكامل من اليهود كلهم ، أولئك الذين لا يريدون بناء المنظمة الصهيونية ، ولكنهم يريدون المشاركة معها في إعمار فلسطين ... إن المسؤولية في فلسطين بالمستقبل القريب يجب أن تترك للدكتور وايزمن ويهود بريطانيا بصورة رئيسية ، ولا يجوز لأي اعتبار أن يسمح بأخذ تلك المسؤولية عن عاتقهم.» (١) وفعلا ، فإنه بعد مؤتمر لندن ، الذي لم يكن مؤتمرا عاديا ، تولت المنظمة الصهيونية البريطانية قيادة العمل الصهيوني اليومي ، بما في ذلك الإشراف على الاستيطان وإدارة مؤسساته في فلسطين ، تحت الانتداب البريطاني. وتراجع في الظاهر دور المنظمة الصهيونية في الولايات المتحدة ، الأمر الذي عبر عن تراجع دور الاحتكارات الأميركية في الشرق الأوسط لمصلحة الاحتكارات الأوروبية.
في هذه المرحلة ، تبلورت ملامح المرتكزات الاستراتيجية للمشروع الصهيوني بشقيه ـ الإمبريالي واليهودي. فقد تبنت بريطانيا هذا المشروع لأغراضها الاستعمارية ، وأصبحت البلد الأم بالنسبة إليه. وبعد تكريس وعد بلفور في ميثاق عصبة الأمم ، وصك الانتداب ومعاهدة لوزان ، ووضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني ، واتباعها لوزارة المستعمرات ، قامت بريطانيا بكل ما هو مطلوب منها في تلك المرحلة. وقد أقرّ بذلك ناحوم سوكولوف في مؤتمر لندن ، حين أكد أن الإنجازات التي تحققت للصهيونية كانت بفعل القوة التي تملك زمام الأمور. وتصدرت بريطانيا تبني المشروع الصهيوني ، وتراجعت الولايات المتحدة مرحليا ، لكنها لم تستسلم للأمر الواقع. ويعبر نجاح وايزمن في تولي رئاسة المنظمة الصهيونية العالمية ، وليس براندايس ، عن
__________________
(٢٠) John Hadawi ,op.cit.,Vol.I ,p.٣٦١.