هذه الحقيقة. وبناء عليه ، تقرر أن يكون مركز المنظمة في لندن ، وله فروع في فلسطين والولايات المتحدة ودول أخرى. وإذ توفرت للحركة الصهيونية الظروف الموضوعية المواتية جدا على الصعيد الدولي ، فإنها ذاتيا لم تكن مهيّأة لنقل مشروعها من الإطار النظري إلى الصعيد العملي. وقد شكلت هذه الثغرة خطرا على المشروع الصهيوني ، تحركت المنظمة لتلافيه بسد هذه الثغرة ـ يهوديا وتنظيميا.
ولعل الإجماع الذي تمتع به المشروع الصهيوني في المراكز الإمبريالية بعد الحرب العالمية الأولى ، لا يوازيه إلّا استنكاف اليهود عنه ، ورفضهم الانجرار وراء دعاته ، الأمر الذي راح يثير الشكوك حول جدوى المشروع وصدقية القائمين عليه ، حتى داخل الحكومة البريطانية. وبعد مضي عشرة أعوام على وعد بلفور ، اعترف وايزمن (١٩٢٧ م) أن هذا الوعد «كان مبنيا على الهواء.» ومضى يقول إنه كان يرتعد خشية أن تسأله الحكومة البريطانية عن مقدار تأييد اليهود للحركة الصهيونية. فهي كانت تعلم «أن اليهود ضدنا ... وكنا وحدنا نقف على جزيرة صغيرة ، مجموعة قليلة من اليهود ذوي ماض أجنبي.» وفي مذكرة سرية ، رفعها إلى حكومته ، يقول سير إدوين مونتاغو ، الوزير اليهودي الوحيد في الوزارة البريطانية التي أصدرت وعد بلفور ، وهو أيضا الوزير الوحيد الذي عارضه ، أن اليهود من أصل أجنبي ، قد أدّوا دورا ملحوظا في الحركة الصهيونية في إنكلترا. ومن هؤلاء عدّد مونتاغو الدكتور غاستنر (من رومانيا) والدكتور هيرتز (من النمسا) والدكتور وايزمن (من روسيا). (١)
إن الفارق الكبير بين تأييد الدول الكبرى للمشروع الصهيوني وحماسة الجماعات اليهودية له ، إن دل على شيء فعلى الطبيعة الإمبريالية لهذا المشروع ، وعلى عدم التكافؤ فيه بين شقيه ، الإمبريالي واليهودي ، وأن الأول هو الغالب عليه. وكان وايزمن ونظراؤه يرون أن حل هذه المسألة يجب أن يأتي «من أعلى» ، من ناحية الدول الإمبريالية ، وعبر دورها في تسخير اليهود لخدمة مصالحها ، عن طريق وساطة المنظمة الصهيونية. وكانت الاستراتيجية التي وضعها نشطاء العمل الصهيوني تآمرية في أساسها على الجماعات اليهودية لتهجيرها إلى فلسطين. وهذا ما فعلته الحركة الصهيونية لاحقا. ويذكر وايزمن أنه عندما أعرب له أحد المسؤولين البريطانيين عن دهشته للموقف المناهض للصهيونية ، الذي يتخذه قادة يهود بريطانيا ، أكد له وايزمن أن لديه خطة لشن الهجوم عليهم «من أعلى». وتكهن وايزمن أنه بمجرد الاعتراف بفلسطين «وطنا قوميا يهوديا» ، فإن هؤلاء سيوافقون على الحل الصهيوني ،
__________________
(٢١) المسيري ، مصدر سبق ذكره ، ص ٤٠ ـ ٤١.