وسينخرطون هم أنفسهم في صفوف الحركة الصهيونية في الوقت الملائم. لكن تكهنات وايزمن لم تتحقق كما كان يتوقع ، وتبني بريطانيا للمشروع الصهيوني لم يحرك بين يهودها موجة من الهجرة إلى فلسطين.
إلّا إنه بعد وضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني ، وإقرار ذلك في عصبة الأمم ، وبالتالي تصاعد وتيرة النشاط الصهيوني في فلسطين ، تغلبت المنظمة الصهيونية العالمية على المعارضة اليهودية لها ، وأصبحت تنطق باسم اليهود أينما كانوا ، بغض النظر عن رأيهم في الموضوع. وراحت هذه المنظمة تقدم نفسها على الصعيد الدولي ممثلة ليهود العالم ، وجرى الاعتراف بها على هذا الأساس على نطاق دولي واسع ومؤثر. وبرزت المنظمة الصهيونية البريطانية بزعامة وايزمن ، متحالفة مع التيار الصهيوني العملي ، الذي راح يتولى قيادة الاستيطان الفعلي في فلسطين. وبنى وايزمن استراتيجية عمله على محور لندن ـ واشنطن ، إذ استغل موقعه على رأس المنظمة الصهيونية في لندن ، لتوسيع نطاق تأثيره وشبكة علاقاته على الساحة الأميركية ، مجيّرا هذه العلاقات لتطوير موقعه وتقويته في لندن ، وتوظيف ذلك كله في خدمة توطيد أركان الاستيطان في فلسطين. ومع ذلك ، فإن النجاح السياسي الذي حققه وايزمن ، وحتى على الساحة الأميركية ، متجاوزا براندايس ، ظلت تنقصه الترجمة العملية على الأرض ، بما يعطي الصدقية للمشروع الصهيوني ، ويبرّر الدعم الإمبريالي له.
وفي إطار «الهجوم من أعلى» ، تقدمت المنظمة الصهيونية ، بعد تأمين الشق الإمبريالي من مشروعها ، إلى بناء الشق اليهودي ـ الاستيطاني. فعمدت إلى تشكيل الهيئات والمؤسسات الضرورية لتهويد فلسطين ، وتحويلها إلى «وطن قومي يهودي» ، وذلك على الصعد الثلاثة ـ السلطة والشعب والأرض. ولأن الحركة الصهيونية كانت مفبركة ومصطنعة ، فقد انطلقت من تشكيل السلطة ، خلافا لتبلور الكيانات السياسية في عصر القوميات. وقد بدأ ذلك في المؤتمر الصهيوني الأول (بازل ١٨٩٧ م) ، إلّا إن الأوضاع بعد الحرب أصبحت تتطلب تطويرا للهيئات الصهيونية السلطوية. وكان من أولويات هذه السلطة تكوين قاعدة شعبية لها ، إذ إنها لم تنشأ في أوساط التجمعات اليهودية ، بل هبطت عليها من أعلى. وكذلك ، كان على تلك السلطة أن تغتصب رقعة الأرض التي تنوي إقامة كيانها السياسي عليها ، إذ إنها تبلورت في كواليس المراكز الإمبريالية ، وليس في فلسطين. وهذه الخصائص الأساسية للحركة الصهيونية ، هي التي تسم مشروعها الاستيطاني بالإمبريالية والعنصرية ، وخصوصا أنه يقوم على تغييب أهل البلد الأصليين وإجلائهم عن وطنهم ، وقطع صلتهم التاريخية به.