الاستيطان الصهيوني ظل بعيدا عن الأهلية لوضع اليد على البلد. وفي هذه الأثناء جرى تراجع في السياسة البريطانية تجاه المشروع الصهيوني ، على قاعدة وعد بلفور ، وصولا إلى طرح مشاريع لتقسيم فلسطين ، بعد فصلها عن شرق الأردن ، الأمر الذي لم يرق للحركة الصهيونية ، ولم يرض عنه الفلسطينيون. فتصاعدت المقاومة العربية ، واتجهت الصهيونية أكثر فأكثر نحو الولايات المتحدة لصوغ علاقات جديدة ، تكون على حساب الصلة التاريخية للمشروع الصهيوني ببريطانيا.
في كانون الثاني / يناير ١٩٢١ م ، نقلت الحكومة البريطانية إدارة فلسطين من وزارة الخارجية إلى وزارة المستعمرات ، التي تولاها آنذاك ونستون تشرشل. وكان المندوب السامي ، سامويل ، مسؤولا أمامه وبحاجة إلى موافقته على إجراءات حكومة الانتداب وميزانيتها. وإلى جانب المندوب السامي هيئة تنفيذية تعيّنها الحكومة البريطانية. ولدى وصوله إلى فلسطين ، كان سامويل متحمسا لتجسيد وعد بلفور. فبادر إلى اتخاذ عدد من الإجراءات لتعزيز الاستيطان الصهيوني. وأصدر «قانون الهجرة» (١٩٢٠ م) ، الذي أعطاه سلطة السماح لمن أراد ، بالدخول إلى البلد ، وإخراج من أراد هو منها. وحدد عدد المهاجرين اليهود إليها ب ٥٠٠ ، ١٦ سنويا. وكذلك سنّ قانون «نقل ملكية الأراضي» الذي سهل عمليات البيع ، وقانون «الأراضي المحلولة» و «الأراضي الموات» ، اللذين يخدمان الأهداف الصهيونية ، ويضيقان الخناق على الفلاحين العرب ، ويزيدان عبء الضرائب عليهم.
وقد أدّت المنظمة الصهيونية دورا كبيرا في تشكيل حكومة الانتداب ، عبر علاقاتها بأركان الحكومة البريطانية ، بما في ذلك تعيين سامويل نفسه مندوبا ساميا. وضمت حكومة الانتداب الأولى عددا من اليهود البريطانيين الموالين للصهيونية ، تولوا المناصب المهمة فيها ، ومنهم : نورمان بنتوتش ، النائب العام ، وألبرت حايمسون ، مسؤول دائرة الهجرة ، وماكس نوروك ، مساعد سكرتير الحكومة الأول. وكان التعاون بين هؤلاء الأربعة كفيلا بتمرير كل قانون يرونه ملائما في خدمة الصهيونية. وكذلك ، عيّنت الوكالة اليهودية الكولونيل اليهودي الصهيوني كيش ضابط ارتباط لها مع حكومة الانتداب ، لاستغلال علاقاته. ولم تتدخل حكومة الانتداب في تشكيل هيئات الحكم الذاتي اليهودي ، التي جرى انتخابها من قبل المستوطنين فقط. وبدرجة عالية من التطابق ، تحركت إدارة سامويل بالتنسيق مع الوكالة اليهودية لتحقيق هدف الانتداب ـ تهويد فلسطين ـ متجاهلتين وجود شعبها عليها ، فهب هذا ، بما توفر لديه ، للدفاع عن وجوده.
لكن ما كان لدى الشعب الفلسطيني لخوض هذا الصراع ضد تحالف الانتداب