والاستيطان قليل. فقد توفر لديه الوعي لخطر المشروع الصهيوني ، والإرادة للتصدي له ، لكنه ظل ينقصه التنظيم السياسي والاجتماعي اللازم لإدارة الصراع وكسبه. فالشعب الفلسطيني ، بعد الحرب وما تحمل جراءها ، وتقسيم بلاد الشام ، وضرب مشروع الدولة العربية ، وطرد فيصل من دمشق ، ومحاصرة الحركة القومية فيها ، لم يكن مهيّأ للوقوف وحده في وجه التحالف الإمبريالي ـ الصهيوني. ومع أن روحه الكفاحية كانت عالية ، واستعداده للتضحية كبيرا ، غير أن نضاله تميّز بالعفوية والارتجال ، وبالتالي تبعثر أوجه النشاط. وإذ برزت في داخله تنظيمات سياسية وأحزاب متعددة ، لكنها لم تكن مؤهلة للقيام بعمل اللازم لدحر المشروع الصهيوني. وقد أدّى غياب القيادة الكفوءة دورا رئيسيا في تقصير هذا النضال عن تحقيق غاياته في درء الخطر الصهيوني عن فلسطين. لكن نضال الشعب الفلسطيني ، على عفويته ، قد أخّر قيام الكيان الصهيوني إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية (١٩٤٨ م) ، أي إنه صمد على الرغم من كل التضحيات في وجه التحالف الصهيوني ـ البريطاني ، المدعوم أميركيا ، مدة ثلاثين عاما.
ولدى وصوله إلى القدس ، دعا سامويل وجهاء المنطقة إلى الاجتماع به يوم ٧ تموز / يوليو ١٩٢٠ م ، ووجهاء منطقة حيفا في اليوم التالي ، ووعدهم بضمان الحرية والمساواة لجميع الأديان ، وبالعمل على تطوير البلاد إداريا واقتصاديا. وأعلن العفو عن الموقوفين والمطلوبين في «انتفاضة القدس» (١٩٢٠ م) ، بمن فيهم الحاج أمين الحسيني. كما سمح بعقد المؤتمر الفلسطيني الثالث في حيفا بتاريخ ١٣ كانون الأول / ديسمبر ١٩٢٠ م ، الذي كانت مهمته وضع استراتيجية جديدة للعمل الوطني الفلسطيني في المرحلة الجديدة ، بعد تقسيم بلاد الشام ، وإنهاء حكومة فيصل (تموز / يوليو ١٩٢٠ م). وترأس المؤتمر موسى كاظم الحسيني ، وأكد البيان الصادر عنه «أن الحكومة غير شرعية ، لأنها تمارس سلطة التشريع دون مجلس تمثيلي ، وقبل أن يصدر القرار النهائي لعصبة الأمم.» واعترض البيان على اعتراف حكومة الانتداب بالمنظمة الصهيونية ، واعتبار العبرية لغة رسمية ، وفتح باب الهجرة إلى فلسطين. ووجه نقدا شديدا إلى المجلس الاستشاري الذي عينه المندوب السامي ، وختم البيان بإعلان «ميثاق وطني» ، ضمّ ثلاثة مبادىء : ١) استنكار السياسة الصهيونية بإقامة الوطن القومي على أساس تصريح بلفور ؛ ٢) رفض مبدأ الهجرة اليهودية ؛ ٣) إقامة حكومة تمثيلية. (١)
__________________
(٢٤) «الموسوعة الفلسطينية» ، القسم الثاني ، المجلد الثاني ، مصدر سبق ذكره ، ص ١٠٠٨ ـ ١٠٠٩.