وكان المؤتمر الفلسطيني الثالث ، شكلا ومضمونا ، يمثل تراجعا لدى الحركة الوطنية الفلسطينية على الصعيد القومي ، واندفاعا نحو التركيز على البعد الوطني ، وذلك بفعل الواقع الذي تشكل بعد الحرب ، كما أنه تعبير عن طبيعة الزعامة المحلية التي قادت العمل الوطني الفلسطيني في تلك المرحلة. لقد غاب عن بيان المؤتمر أي ذكر للاستقلال والوحدة مع سورية ، وجرى التأكيد على مناهضة المشروع الصهيوني ، كقاسم وطني مشترك ، والمطالبة بالمشاركة في حكم البلاد عبر حكومة تمثيلية ، كتعبير عن المصالح الذاتية والوطنية. وإذ لم تكن قرارات المؤتمر ترضي جيل الشباب الوطني المتحمس ، الذي وجه إليها نقدا شديدا ، فإن المندوب السامي كان يخشاها. وبناء عليه ، دعا موسى كاظم الحسيني وخمسة من زملائه السياسيين ، إلى لقاء معه بصفة شخصية ، وبحث القضايا التي تشغل بالهم ، كونه لا يعترف بالمؤتمر ، وبالتالي باللجنة التنفيذية المنبثقة منه. وفي اللقاء ، أكد سامويل أن مهمته تنحصر في تنفيذ سياسة حكومته ، وليس صوغها. وهو مستعد للتفاهم معهم بشأن طريقة تجسيد وعد بلفور ، ولكن ليس على مبدأ الالتزام به. وأعرب عن الاستعداد للاعتراف بهيئة عربية موازية ل «المجلس الوطني اليهودي» في فلسطين.
وعندما تولى ونستون تشرشل وزارة المستعمرات (شباط / فبراير ١٩٢١ م) حدد هدفه بوضع سياسة شاملة ومتماسكة للشرق الأوسط ، تسمح بسحب الجيوش البريطانية الكبيرة المتمركزة هناك. ولذلك عقد مؤتمر القاهرة (آذار / مارس ١٩٢١ م) ، حيث تمّ التأكيد على التزام حكومة بريطانيا بوعد بلفور في فلسطين ، مع فصل شرق الأردن عنها ، ووضعه تحت إشراف المندوب السامي فيها ، لكن من دون أن تسري عليه شروط الانتداب فيها ، وتعيين عبد الله بن الحسين أميرا عليه. وفي مقابل معونة مالية يتلقاها سنويا بمبلغ ٠٠٠ ، ١٨٠ جنيه استرليني ، تعهد الأمير باحترام التزامات بريطانيا الدولية تجاه فرنسا في سورية والحركة الصهيونية في فلسطين. وبعد مؤتمر القاهرة ، توجه تشرشل إلى فلسطين ، والتقى هناك وفدين : الأول عربي ، والثاني صهيوني. ولم يكن أي من الطرفين راضيا عن اللقاء. لقد تعامل تشرشل مع الوفد العربي باستخفاف ، أثار حنقه ، ومع الوفد الصهيوني بابتزاز ، أثار قلقه ، وخصوصا بعد فصل شرق الأردن عن فلسطين ، الأمر الذي لم يرق للصهيونيين.
وزيارة تشرشل إلى القاهرة وفلسطين ، وما اتخذه في أثنائها من إجراءات ، وما صدر عنه فيها من تصريحات ، لم تساعد على تهدئة الأوضاع في فلسطين ، بل على العكس ، زادت التوتر حدة. ففي ١ أيار / مايو ١٩٢١ م وفي أثناء الاحتفال بعيد العمال