القادمة. وفي أثناء البحث في الوسائل التي تكفل حقوق العرب ، أكد تشرشل بجلاء أن أية هيئة ، أو مجلس تمثيلي ، لن تكون لهما صلاحية الإشراف على الهجرة اليهودية ، أو البت في أي أمر أساسي يتعلق بتنفيذ سياسة «الوطن القومي اليهودي». وفي ٢٢ شباط / فبراير ١٩٢٢ م ، طرح تشرشل على الوفد مسودة دستور فلسطين ، فرفض الوفد التعامل معه لأنه غير مخول بذلك. كما طرح على الوفد اللقاء مع قيادة العمل الصهيوني ، فرفض ذلك أيضا ، لأنه لا يعترف بالمنظمة الصهيونية ، مؤكدا أنه جاء إلى لندن للتفاوض مع الحكومة البريطانية فقط.
وفي أثناء إقامته الطويلة في لندن ، ونظرا إلى المعاملة السيئة التي لقيها الوفد هناك من قبل الحكومة البريطانية ، احتدم الجدل بينه وبين تشرشل ، الذي تميّز بالفظاظة في مخاطبة الوفد ، وراحت المراسلات بينهما تتخذ لهجة قاسية. وقد بلغت ذروتها في رد تشرشل على رسالة للوفد ، جاء فيه : ١) أن دستور فلسطين يجب أن يبحث مع وفد رسمي منتخب ، وأنتم لستم بهذه الصفة ؛ ٢) أن وزير المستعمرات لا يمكنه بحث دستور فلسطين ، وحتى مع وفد رسمي منتخب ، إلّا على أساس وعد بلفور ؛ ٣) أن وزير المستعمرات لا يستطيع أن يبحث ، حتى مع وفد منتخب في المادة ٢٢ من ميثاق عصبة الأمم ، لأن وعد بلفور أعطي قبل ذلك الميثاق. وردّ الوفد بقساوة أيضا ، إذ ذكّر وزير المستعمرات بأن بريطانيا هي التي تحكم من دون دستور ، وهي التي يجب أن تطرد من عصبة الأمم لمخالفتها المادتين ٢٠ و ٢٢ من ميثاقها. وفي ٥ أيار / مايو ١٩٢٢ ، عاد الوفد بخفي حنين ، وقد خابت آماله في التأثير على سياسة الحكومة البريطانية ، على الرغم من التعاطف الذي لقيه من بعض الصحف ، وبحث الموضوع في البرلمان ، ورفض مجلس اللوردات وعد بلفور ، بينما أقره مجلس العموم ، فأصبح ملزما للحكومة ، وعلى هذا الأساس طرحته في عصبة الأمم ، التي تبنته في ٢٤ تموز / يوليو ١٩٢٢ م. (١)
في إثر إقرار الانتداب في عصبة الأمم ، أعلنت حكومة بريطانيا أنها سوف تضع نصوص صك الانتداب موضع التنفيذ في ضوء «البيان السياسي» (الكتاب الأبيض) ، الذي صدر عنها في ٢٢ حزيران / يونيو ١٩٢٢ م ، ونسب وضعه إلى وزير المستعمرات ، تشرشل ، فعرف باسمه. ونشر في ١ تموز / يوليو ١٩٢٢ م ، على أن يصبح نافذ المفعول من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية في أيلول / سبتمبر ١٩٢٢ م. وجاء الكتاب الأبيض في سياق محاولة بريطانية لتهدئة الأوضاع في
__________________
(٢٩) «الموسوعة الفلسطينية» ، القسم العام ، المجلد الرابع ، مصدر سبق ذكره ، ص ٥٧٢ ـ ٥٧٤.