لم تكن منتخبة ديمقراطيا ، وبالتالي لم تكن معبرة عن جماهير الشعب الفلسطيني ، سياسيا وتنظيميا ، كما أنها لم تكن موحدة في موقفها من الانتداب ، وقد انعزلت عن عمقها الاستراتيجي العربي. وفي الطريق إلى لندن ، عرج الوفد على روما ، حيث التقى البابا ، الذي أبدى تعاطفه المعنوي مع الشعب الفلسطيني. أمّا في لندن ، فقد كان مركز صنع القرار ليس في مصلحته ، وخصوصا أن وزير المستعمرات ، تشرشل ، الذي لم يكن يولي مسألة فلسطين أهمية كبيرة ، لم يكن أيضا بصدد تبني موقف الوفد في مواجهة مراكز القوى البريطانية والأميركية المتعاطفة مع الصهيونية ، وذلك على الرغم من التساؤلات التي أثيرت بشأن وعد بلفور والانتداب على فلسطين في مجلس اللوردات ، وفي أوساط الرأي العام والصحافة البريطانيين.
وتشرشل ، الذي كان في موقع الدفاع عن النفس داخل حكومته إزاء الاتهامات التي وجهها إليه قادة العمل الصهيوني وأنصارهم في المؤسسة البريطانية الحاكمة ، تعامل مع الوفد الفلسطيني بجفاء فظ. وقبل أن يلتقي الوفد ، تسلح بقرار الحكومة ، الذي يلتزم بسياسة الانتداب القائمة على وعد بلفور. وما عدا بعض العلاقات العامة ، وقرار مجلس اللوردات بعدم قبول صيغة الانتداب لأنها تخالف العهود التي قطعتها بريطانيا للعرب ، والذي لا يلزم الحكومة بشيء ، عاد الوفد الفلسطيني من سفرته الطويلة خالي الوفاض ، إذ رفضت حكومة لويد جورج مطالبه. ونظرا إلى فشل الوفد في تحقيق شيء من الآمال التي علقت عليه ، فقد اندلعت الاضطرابات في القدس لمناسبة ذكرى وعد بلفور (١٩٢١ م) ، وتبادل العرب والعصابات الصهيونية إطلاق النار ، فقتل ٥ من اليهود و ٣ من العرب ، وجرح ٢٦ آخرون ، وقمعت الاضطرابات على يد السلطة. وقد وضع ذلك الزعامة الفلسطينية التقليدية ، التي راحت تميل إلى التعاطي مع الانتداب ، وحتى مع المشروع الصهيوني ، بمرونة معينة ، في موقف حرج ، وأصبح موقعها السياسي رهنا بقدرتها على انتزاع بعض المكاسب من الحكومة البريطانية.
لقد ذهب الوفد الفلسطيني إلى لندن برئاسة موسى كاظم الحسيني ، وبقي فيها تسعة أشهر ، قام في أثنائها بالسفر إلى جنيف لحضور اجتماع عصبة الأمم. ولكن كما في لندن ، كذلك في جنيف ، كانت حصيلة الجهد لا تذكر. وفي المقابلة الأولى له مع الوفد ، لم يتردد تشرشل في تذكير أعضائه بأنه يستقبلهم كوفد غير رسمي ، وبأنهم ما داموا يصرّون على إلغاء وعد بلفور ، فليس لديه ما يمكن بحثه معهم ، مؤكدا أنه على العرب القبول به كحقيقة ، ومن ثمّ العمل على ألّا يلحق تنفيذه الضرر بمصالحهم ، ودعاهم إلى البحث في الترتيبات لتسيير الأمور بسلام في الأعوام