وأوضحت التحقيقات في أسباب ثورة يافا أن قمعها بالقوة ، وحتى استمالة بعض الرموز القيادية في الحركة الوطنية الفلسطينية ، عبر تقديم بعض الإغراءات لها ، لن تحقق الاستقرار في البلد. فحالة التوتر ظلت تسود الأوضاع العامة فيها ، بينما تصاعدت موجة الانتقادات لسياسة الحكومة في بريطانيا. وإذ راح سامويل يعزز اتصالاته مع زعماء الحركة الوطنية ، ويستغل التناقضات بينهم ، عمد تشرشل إلى طرح «الكتاب الأبيض» ، الذي يحدد مرتكزات السياسة البريطانية في فلسطين. في المقابل ، وبعد أحداث يافا وجوارها ، التي أدّت الزعامة الفلسطينية دورا في تهدئتها ، ففقدت كثيرا من رصيدها الشعبي ، وخصوصا أنها لم تؤيد مقاطعة البضائع اليهودية كما طالبت قيادات شعبية شابة ، دعت تلك الزعامة إلى عقد المؤتمر الفلسطيني الرابع. وانعقد المؤتمر (حزيران / يونيو ١٩٢١ م) في القدس ، وأكد المطالب الوطنية والإصرار على مقاومة الصهيونية ، وأعلن تمسكه بالوحدة السورية. لكن الخطوة الإجرائية التي اتخذها كانت انتخاب وفد للسفر إلى بريطانيا للمطالبة بالحقوق الفلسطينية.
وجاء المؤتمر الفلسطيني الرابع ليزيد في تركيز قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية على قضاياها القطرية ، وعلى رأسها مسألة الحكم في ظل الانتداب. وكان طبيعيا أن تتوجه إلى الاتصال بالحكومة البريطانية ، وبالأوساط السياسية في لندن ، وربما بتشجيع من سامويل ، الذي راح يبني آماله على التقريب بين تلك القيادة والمنظمة الصهيونية. فشجع إرسال وفد فلسطيني إلى لندن ، وأوصى وزير المستعمرات بحسن استقباله ومعاملته ، ومحاولة عقد لقاء بين الوفد وقادة العمل الصهيوني. في المقابل ، طلب سامويل ، واستجاب زعماء الحركة الوطنية لطلبه ، إصدار بيان يدعو إلى التهدئة خلال المدة التي يمضيها الوفد في لندن. وفي الواقع ، مالت الأوضاع إلى الهدوء بعد المؤتمر الرابع ، وسفر الوفد إلى أوروبا ، وخطاب سامويل لمناسبة ميلاد الملك ، الذي صيغ بلهجة تصالحية ، تهدف إلى تهدئة خواطر العرب ، وتلطيف مخاوفهم من المشروع الصهيوني ، وإشاعة الاستقرار في البلاد ، عبر زرع الأوهام بشأن سياسة بريطانيا ، ونتائج سفر الوفد إلى لندن ، والإجراءات الموقتة بوضع قيود على الهجرة اليهودية.
لكن الوفد ، الذي سافر مجرّدا من جميع عناصر القوة ، ما عدا عدالة قضيته ومراهنة المندوب السامي على دوره في تهدئة المزاج الشعبي ، لم يحقق إنجازا كبيرا في لندن مع حكومة لويد جورج ، التي مارست جميع أنواع الخداع على العرب في الحرب ، كما في مؤتمر السلام بعدها. ونظرا إلى دورها في أحداث يافا ، فقد خسرت الزعامة التقليدية الفلسطينية كثيرا من رصيدها الشعبي ، وهي على أية حال