١٩٢٢ م «دستور فلسطين» ، الذي تضمن وعد بلفور في مقدمته أيضا. وقد أعطى هذا الدستور المندوب السامي صلاحيات واسعة في الإشراف على الأراضي العمومية والتصرف بها ، وتعيين الموظفين وعزلهم ، وإعلان العفو العام ، وإبعاد المحكومين السياسيين ، والموافقة على القوانين لتصبح سارية المفعول بتوقيعه. وهو يترأس المجلس التنفيذي ، الذي يتولى أعضاؤه المناصب العليا كلها في الحكومة ، ويكون بمثابة هيئة استشارية للمندوب السامي ، وهم يعينون بمرسوم من ملك بريطانيا ، وبناء على التماس من المندوب السامي. كما تضمن الدستور تشكيل «مجلس تشريعي» ، حسبما ورد في الكتاب الأبيض. ومن أجل انتخابه ، أصدر سامويل مرسوما بإجراء إحصاء عام للسكان (١٤ آب / أغسطس ١٩٢٢ م). وهو يتألف من المندوب السامي رئيسا ، و ١٠ موظفين بالتعيين (هم المجلس التنفيذي) ، و ١٢ عضوا منتخبا بحسب الطوائف ـ ٨ من المسلمين و ٢ من المسيحيين و ٢ من اليهود. ويحظر على المجلس التشريعي أن ينظر في أية نقطة تخالف صك الانتداب ، كما أن قوانينه لا تصبح نافذة إلّا إذا وافق عليها المندوب السامي ، الذي يتمتع بحق تعطيل هذا المجلس في أي وقت يشاء. وكانت مسودة هذا الدستور قد عرضت على الوفد الفلسطيني في لندن فرفضه.
وكان طبيعيا أن يرفض الشعب الفلسطيني الانتداب البريطاني ، ويقاوم سياسته الرامية إلى تجسيد وعد بلفور ، بالصورة التي تؤهله لها أوضاعه الاجتماعية وتنظيمه السياسي ، وبالتالي قدرته على القيام بعمل اللازم للتصدي للمشاريع المضادة وإحباطها ، من موقع الدفاع. فصك الانتداب هو في الأساس برنامج لتغييب الشعب الفلسطيني عن وطنه ـ ماديا وحضاريا وسياسيا ـ بدءا بنفي حقه التاريخي فيه ، عبر الاعتراف لليهود بذلك الحق. وهو مخطط لقطع صلة الفلسطينيين بوطنهم ، عبر تهويده ، فجاء منذ البداية متجاهلا لوجودهم على أرضه ، متنكرا لحقهم الطبيعي فيه ، ومستثنيا إياهم من عائلة الشعوب ، حتى العربية الشقيقة. وقد فرض الانتداب عليهم قسرا ، ولم يؤخذ رأيهم به ، لا شكلا ولا مضمونا ، وإنما تمّ ذلك بالتنسيق بين حكومة بريطانيا والمنظمة الصهيونية ، وبدعم الدول الإمبريالية ، إلى حد أنه جاء متناقضا حتى مع ميثاق عصبة الأمم ذاتها. وملامح المشروع الصهيوني كانت واضحة منذ البداية ، فهو استيطاني إجلائي ، لا مكان فيه لأهل البلد الأصليين ، وبناء عليه ، فلا يمكن تجسيده من دون تغييبهم بشتى الوسائل. وكما وعى قادة العمل الصهيوني هذه الحقيقة ، وبرمجوا وخططوا لتجسيدها ، هكذا وعاها الشعب الفلسطيني ، فتصدى لمسارات تجسيدها بالأساليب التي أتاحتها أوضاعه الاجتماعية ، وحالة حركته الوطنية التنظيمية.