ذلك ، وقبيل نهاية ولاية سامويل ، ولدى الاحتفال بافتتاح الجامعة العبرية في القدس (آذار / مارس ١٩٢٥ م) ، بحضور بلفور ، قامت تظاهرات صاخبة ضده في جميع أنحاء البلاد ، الأمر الذي استعجل سفره إلى دمشق ، بناء على دعوة من صديقه المندوب السامي الفرنسي هناك ، حيث قوبل بتظاهرات ضخمة وعنيفة ، الأمر الذي حمل السلطات الفرنسية على الإسراع في نقله إلى بيروت ، تحت حراسة مشددة ، ليركب باخرة العودة إلى بلاده.
وعلى الرغم من العقبات التي ثارت في وجه المشروع الصهيوني ، سواء في فلسطين أو لندن ، أو حتى داخل المنظمة ذاتها ، فقد حقق الاستيطان ، بفضل السياسة التي انتهجها سامويل ، تقدما ملحوظا في ولايته. فزاد عدد المستوطنين من ٠٠٠ ، ٥٥ سنة ١٩١٩ م إلى ٠٠٠ ، ١٠٨ سنة ١٩٢٥ م. وارتفع عدد المستعمرات من ٤٤ سنة ١٩١٨ م إلى أكثر من ١٠٠ سنة ١٩٢٥ م كما حصل المستوطنون على الاعتراف بمؤسسات الحكم الذاتي الخاصة : المؤتمر الوطني والمجلس الوطني ومجالس الحكم المحلي. وسنّت قوانين متعددة تتعلق بالأراضي والهجرة ، تخدم المشروع الصهيوني. وعشية نهاية ولايته (تشرين الأول / أكتوبر ١٩٢٥ م) أصدر سامويل «قانون الجنسية الفلسطينية» (آب / أغسطس ١٩٢٥ م) ، الذي يمنح المهاجرين اليهود تلك الجنسية. وكذلك ، وضع مشروع النقد الفلسطيني (نيسان / أبريل ١٩٢٤ م) ، الذي تمّ إقراره في ٢ آب / أغسطس ١٩٢٦ م من قبل وزير المستعمرات آنذاك ، ليوبولد إيمري ، وتعيين مجلس النقد الفلسطيني وتحديد صلاحياته. وفي ٢١ شباط / فبراير ١٩٢٧ م أعلن أن النقد الفلسطيني سيحل محل النقد المصري المتداول ، اعتبارا من ١ تشرين الثاني / نوفمبر ١٩٢٧ م.
وكانت فترة ولاية المندوب السامي الثاني ، فيلد ـ مارشال لورد تشارلز بلومر (١٩٢٥ ـ ١٩٢٨ م) ، هي الأكثر هدوءا في فلسطين تحت الانتداب. وقد تضافرت لذلك عوامل عدة ، على رأسها بلومر نفسه ، الذي كان عسكريا محترفا ، لم يقبل بأي إخلال بالأمن ، من أية جهة كانت. وقد أجاب أعضاء وفد فلسطيني ، قابلوه وحذروه من أنهم لن يتحملوا مسؤولية النتائج الناجمة عن تظاهرات يقوم بها اليهود في القدس قائلا : «لا ضرورة لكم أنتم بتحمل المسؤولية عن النظام العام ، فأنا المسؤول عنه.» في المقابل تواكبت ولاية بلومر في فلسطين مع الأزمة الاقتصادية العالمية في نهاية العشرينات ، التي انعكست سلبا على المشروع الصهيوني ، بنضوب الموارد المالية للوكالة اليهودية ، وبالتالي تقلص الهجرة اليهودية وركود النشاط الاستيطاني. ومن جهة أخرى ، حدث تراجع في الحركة الوطنية الفلسطينية ، بسبب الصراعات الداخلية ،