ولا المنظمة تمتلك الموارد الكافية لتمويل مشاريعها الاستيطانية. وكانت المقاومة العربية أشدّ عنفا من توقعات المندوب السامي والكثيرين من قادة العمل الصهيوني. وسرعان ما تبين زيف الدعاية الصهيونية التي بنت إعلامها على تغييب الشعب الفلسطيني عن وطنه. وفي الواقع ، كان سامويل يشارك تشرشل في اقتناعه الذي عبّر عنه في أحد لقاءاته مع الوجهاء العرب في القدس ، «بأن أولاد أولادنا سيكونون قد رحلوا عن الدنيا قبل تحقيق الحكم الذاتي.» (١) ولذلك ، وإنقاذا للمشروع الصهيوني من المنظمة ذاتها ، ارتأى سامويل التعامل بمرونة مع الوضع الفلسطيني ، والعمل على تصليب الاستيطان ، حتى يتهيّأ لتسلم زمام الأمور في البلد. وكذلك كان على سامويل أن يأخذ في الاعتبار التوازنات السياسية في لندن ، وموقف القوى من الانتداب.
وعلى العموم ، احتجت المنظمة على تصريحات سامويل من أن «الوطن القومي اليهودي» لن يقوم على حساب العرب ، كما رأت في الكتاب الأبيض ، وفصل شرق الأردن عن فلسطين ، تراجعا بريطانيا عن وعد بلفور. ولم يعجب المنظمة سلوك سامويل تجاه المقاومة العربية ، إذ أرادت منه قمعها بشدة ، كما أخذت عليه دعمه للحاج أمين الحسيني في تولي منصب الإفتاء ورئاسة المجلس الإسلامي الأعلى. واحتجت على تحديد سقف للهجرة وتشديد القيود عليها بعد الاضطرابات. واعترضت المنظمة على كل محاولة لإقامة حكومة تمثيلية في ظل استمرار الأغلبية العربية بين السكان. وعلى أية حال ، فإن سلوك السلطات البريطانية إزاء التطلعات الصهيونية المغالية في استعجالها تهويد فلسطين ، قد وضع الوكالة اليهودية أمام أسئلة جذرية وملحة حول «ما العمل؟».
ومهما يكن الأمر ، فإن النصف الثاني من ولاية سامويل (١٩٢٠ ـ ١٩٢٥ م) ، تميّز بهدوء نسبي ، إذ أفلح ، لاعتبارات صهيونية وبريطانية ، في وضع طرفي الصراع بشأن فلسطين أمام مشكلاتهما الحالية ، وبالتالي إيصالهما ، على الأقل على صعيد القيادة ، إلى الاقتناع بعدم إمكان حسم هذا الصراع بالطريقة التي يطالب بها كل منهما ، وعلى أية حال ، فليس في الحاضر ، أو المستقبل المنظور. وبينما أدّى ذلك إلى نقل الصراع إلى داخل الحركة الوطنية الفلسطينية ، وتأزيم أوضاعها الذاتية ، فإنه على العكس من ذلك ، خفض حدة التوتر السياسي الداخلي في المنظمة الصهيونية ، ودفعها بقيادة تيار الوسط إلى التركيز على تحقيق إنجازات عملية استيطانية. ومع
__________________
(٣٥) «الموسوعة الفلسطينية» ، القسم الثاني ، المجلد الثاني ، مصدر سبق ذكره ، ص ١٠٠٩.