ورأت اللجنة التنفيذية في ذلك فرصة لإرسال وفد آخر إلى لندن ، علّه ينجح حيث فشل الأول. وعقد المؤتمر الفلسطيني السادس في يافا في الفترة ١٦ ـ ٢٠ حزيران / يونيو ١٩٢٣ م وقرر إرسال الوفد الثاني. إلّا إن حكومة لندن الجديدة قررت الالتزام بتعهدات سابقتها للحركة الصهيونية ، وبالانتداب. فعاد الوفد من دون تحقيق نتائج تذكر ، لكن اللجنة التنفيذية ظلت ملتزمة بأسلوب عملها السلمي. وبناء عليه ، أرسلت وفدا آخر إلى مؤتمر لوزان (١٩٢٣ م) ، التقى هناك بالوفود العربية ، وقام بنشاط سياسي ـ إعلامي لدعم القضية ، ودعا إلى حلها «على وجه عادل يتفق مع العهود المقطوعة للعرب.» وقد شجع على إرسال هذا الوفد الاعتقاد أن النصر الذي حققه مصطفى كمال ، والذي استقبل بالترحاب في فلسطين ، سيغير الترتيبات الاستعمارية في المنطقة ، لكن هذه الآمال تبخرت ، عندما تنازلت تركيا عن الولايات العربية.
وفي الواقع ، فإن سياسة سامويل نجحت في تصديع الحركة الوطنية الفلسطينية ، التي كان الوجهاء وأبناء العائلات الكبيرة والغنية يشكلون عماد قيادتها. وهذه القيادة ، التي عملت على التهدئة بعد ثورة يافا ، ووقفت ضد ممارسة العنف ، لم تنجح في تحقيق نتائج تذكر بالوسائل السلمية والسياسية. ومنذ سنة ١٩٢٤ م ، بدأت فترة من الركود السياسي والشلل النضالي ، امتدت حتى سنة ١٩٢٨ م ، وشهدت المزيد من الشروخ في صفوف الحركة الوطنية ، واستشراء الصراعات الداخلية ، سواء على أرضية سياسية ـ الموقف من الانتداب ـ أو بسبب التنافس بشأن المناصب. وبينما راحت اللجنة التنفيذية تفقد رصيدها الوطني والشعبي ، على الرغم من تشبثها بموقفها من المشروع الصهيوني ، فقد أخذ الحاج أمين الحسيني ، مفتي القدس ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى ، يبرز كزعيم للحركة الوطنية الفلسطينية. في المقابل ، راحت المعارضة له ، من قبل وجهاء مثل عارف الدجاني وسليمان التاجي الفاروقي وراغب النشاشيبي وغيرهم ، تشتد ، إلى أن شكّل هؤلاء الحزب الوطني في تشرين الثاني / نوفمبر ١٩٢٣ م ، الذي كانت سياسته المعلنة التعاون مع حكومة الانتداب ، مع رفضه للمشروع الصهيوني.
في المقابل ، لم تكن المنظمة الصهيونية راضية تماما عن السياسة التي اتبعها سامويل ، واتهمته بالضعف ، وعملت على سحبه من فلسطين في الوقت الملائم. فمبكرا توصل سامويل إلى الاقتناع بأن الأوضاع في فلسطين لا تسمح بإنشاء «الوطن القومي اليهودي» ، بالسرعة التي تطالب بها المنظمة الصهيونية. فلا هي تمتلك الشروط الذاتية لذلك ، ولا السكان المحليون يسلمون به. وكان واضحا له أن اليهود لن يستجيبوا للدعوة الصهيونية بأعداد كافية لتغيير الواقع الديموغرافي في فلسطين ،