القيادة التي عارضت أعمال العنف ، وخصوصا ضد الحكومة. ونتيجة شراسة القمع البريطاني ، وجور الأحكام التي أصدرتها السلطات ، ارتفعت نبرة الدعوة إلى اللجوء إلى الكفاح المسلح ، وراحت تتشكل مجموعات مقاتلة ، مثل عصابة الكف الأخضر وغيرها.
في المقابل ، تسببت أحداث سنة ١٩٢٩ بتغييرات ملحوظة في العمل الصهيوني ، فبرزت فيه ثلاثة أجنحة ، راحت تصارع على مواقفها ، داخليا وخارجيا ، بشأن السياسة التي يجب أن يتخذها هذا العمل ، بما في ذلك إزاء الانتداب. ففي الوسط ، وقف حزبا هبوعيل هتسعير (العامل الفتي) وأحدوت هعفودا (وحدة العمل) ، اللذان توحدا (١٩٣٠ م) ، في «مفليغت بوعالي إيرتس يسرائيل ـ مباي» (حزب عمال أرض إسرائيل). وحصل الحزبان في انتخابات مجلس النواب (أسيفات هنفحاريم) الثالث على ٣١ مندوبا من مجموع ٧١. ومنذئذ ، احتل هذا الحزب المقام الأول في إدارة أمور الاستيطان ، كما في الحركة الصهيونية ، وبرزت فيه زعامة دافيد بن ـ غوريون. وتشكلت المعارضة الرئيسية من التيار التنقيحي بزعامة جابوتنسكي ، التي انتقدت بشدة السياسة البريطانية ، وأساليب عمل المنظمة الصهيونية المتوافقة معها. وفي برنامجها : معارضة التنازل عن شرق الأردن والمطالبة بإعلان أكثرية يهودية في فلسطين ، وتحويلها إلى دولة يهودية كأهداف نهائية للعمل الصهيوني. وقد حصل هذا التيار في الانتخابات على ١٦ مندوبا.
وعلى يسار حزب مباي ، تشكلت مجموعة صغيرة من المثقفين الليبراليين ، ذوي الماضي الصهيوني والنفوذ السياسي ، مثل يهودا ماغنس ، الرئيس الأول للجامعة العبرية ، وحاييم كالفارسكي ، من قدامى قيادة العمل الصهيوني ، وآرثر روبين ، مسؤول مكتب يافا ، وغيرهم. وكانت النقطة المركزية في برنامج هذه المجموعة السياسي ، هي التنازل عن مشروع تحويل فلسطين إلى «دولة عبرية» ، تقوم على أكثرية سكانية يهودية. وشكّل هؤلاء حركة بريت شالوم (عصبة السلام) ، وبعدها حركة إيحود (الوحدة) ، بالاستناد إلى أفكار الفيلسوف أحاد هعام (آشر غينزبرغ) ، التي أكدت على أولوية «المركز الروحي اليهودي» ، وليس على الاستيطان الجماعي والاستقلال السياسي. ورفعوا شعار «الدولة ثنائية القومية» ، القائل بموقع متكافىء لكل من «القوميتين» ـ الفلسطينية والإسرائيلية ـ بغض النظر عن النسبة العددية لكل منهما بين السكان. ووافقوا لاحقا على ألّا يزيد عدد اليهود عن ٥٠% من مجموع السكان في البلاد. ولم تتمتع طروحات هذه الجماعة باستجابة كبيرة ، لا بين اليهود ولا العرب. وقد تبنى حزب هشومير هتسعير (الحارس الفتي) موقفهم من «الدولة ثنائية القومية» ،