الخضوع للشرط الأول [الامتناع من مقاطعة العمل العربي] ، ولا يمكن التوفيق بين الواجبين المتناقضين إلّا بسلوك جدي وفعال ، وذلك لإيجاد نهضة زراعية تهدف إلى استقرار العرب في الأراضي وتوسيع زراعتهم ، أمّا في الوقت الحاضر فالبلاد لا تتسع لإنسان جديد.» (١)
إن الضجة التي أثارتها ثورة البراق ، وما عقبها من توصيات لجنة شو وتقرير سمبسون ، وكذلك التقارير الدورية التي كان يرسلها المندوب السامي عن الأوضاع غير المستقرة في البلاد ، وما تنشره الصحف في فلسطين وإنكلترا ، حملت حكومة مكدونالد على إصدار الكتاب الأبيض لسنة ١٩٣٠ ، ليشرح سياستها في فلسطين. وقد انطلق الكتاب من مبدأ الالتزام بصك الانتداب ، كونه يستوجب من الحكومة البريطانية الالتزام بتعهداتها إزاء الفريقين من سكان فلسطين ـ العرب واليهود. وادّعت الحكومة إمكان التوفيق بين وعد بلفور ، وصيانة حقوق العرب في فلسطين ، بالاستناد إلى التوصيات الواردة في تقريري شو وسمبسون. إلّا إنه سرعان ما ثبت أن حكومة مكدونالد كانت مفرطة في تفاؤلها ، وقدرتها على تنفيذ سياستها ، فاضطرت إلى التراجع المخزي عن بيانها ، وإدخال تقارير اللجان التي عينتها عالم النسيان.
وكون الكتاب الأبيض لسنة ١٩٣٠ جاء على خلفية الاضطرابات ، فقد بدأ بتناول قضية الأمن ، مشددا أن الحكومة ستعاقب بشدة كل من يخل بالأمن ، أو يحرض على أعمال العنف. وبناء عليه ، فهي ستعزز قوات الأمن ، وتدافع عن المستوطنين اليهود. في المقابل ، وعد البيان بمنح الفلسطينيين قسطا من الحكم الذاتي ، بما يتلاءم مع صك الانتداب ، ابتداء بإحياء مشروع المجلس التشريعي لسنة ١٩٢٢ م. كما تعرض لموضوع الأراضي ، فوعد بالعمل على تحسين أساليب الزراعة والريّ ، وحماية الفلاحين ، وضمان عدم طردهم من الأراضي التي يعملون فيها ، وإقامة جمعيات تعاونية زراعية. وتناول البيان موضوع الهجرة ، فرأى أنه يجب التأكد من عدد العمال العاطلين في البلاد قبل تحديد سقف الهجرة إليها. وفي مجمل الأحوال ، يجب النظر إلى قدرة فلسطين الاقتصادية عند الحكم على عدد المهاجرين إليها ، وقال : «وكانت مهاجرة اليهود تسبب حرمان السكان العرب الحصول على الأشغال ، وإذا كان انتشار البطالة بين اليهود انتشارا يؤثر في مركز العمال على العموم تحتم على الدولة المنتدبة خفض المهاجرة أو وقفها ريثما يتسنى للعاطلين إيجاد عمل.» (٢)
__________________
(٣٩) المصدر نفسه ، ص ١٠٢٦.
(٤٠) «فلسطين : تاريخها وقضيتها» ، مصدر سبق ذكره ، ص ٥٩.