للصهيونية ، بدعم أميركي قوي. وكأنما للتكفير عن ذنب اقترفته ، راحت حكومة مكدونالد تغالي في استرضاء الصهيونية ، وتغدق عليها بالتسهيلات للوصول إلى «الوطن القومي اليهودي». أمّا على صعيد العمل الصهيوني ، فقد تغلب تيار الوسط ، الذي انتهج سياسة «خذ وطالب» على التيار المتطرف الذي دعا إلى «استثمار الفوز» بالإسراع في إعلان الدولة اليهودية ، خلافا للإرادة البريطانية. في المقابل ، فشلت سياسة القيادات الفلسطينية التقليدية ، ففقدت الكثير من رصيدها الشعبي ، من دون قيام البديل القادر على إدارة الصراع بصورة أكثر نجاعة. وبينما استطاعت المؤسسة الصهيونية تجاوز الشقاق داخلها ، ومتابعة عملها بنشاط ، فإن قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية في المقابل ، بتركيبها ونمط عملها ، اللذين يخلوان من أية علاقات ديمقراطية ، أصيبت بالشلل ، وبالتالي تمّ تجاوزها تحت ضغط التطورات على الساحة.
ففي ولاية واكهوب ، التي تواكبت مع صعود النازية في ألمانيا ، تصاعدت معدلات الهجرة اليهودية بوتيرة متسارعة. فمن ٤٠٧٥ سنة ١٩٣١ م إلى ٩٥٥٣ سنة ١٩٣٢ م إلى ٠٠٠ ، ٣٧ سنة ١٩٣٣ م إلى ٠٠٠ ، ٤٣ سنة ١٩٣٤ م وإلى ٠٠٠ ، ٦٢ سنة ١٩٣٥ م ، عدا الهجرة غير الشرعية. وكذلك ، انتقل أكثر من ٠٠٠ ، ٣٣٤ دونم من الأراضي إلى المؤسسات الاستيطانية ، وأرغم الفلاحون على الجلاء عنها بالقوة ، كما حدث مع عرب وادي الحوارث (الزبيدات) في السهل الساحلي ، وأهالي العفولة في مرج ابن عامر ، وغيرهم. في المقابل ، ونتيجة الإحباط الذي أصاب قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية ، جراء تجاهل السلطة لمطالبها ، وذلك على الرغم من التراجع الذي جرى فيها ، فقد راحت فكرة العدول عن سياسة الاحتجاج على إجراءات حكومة الانتداب والتفاوض معها تتعزز ، وتتعالى الدعوة إلى توجيه النضال ضد بريطانيا ، كما ضد الصهيونية ، كونهما تشكلان جبهة واحدة. ومن خلال تجربة ثلاثة عشر عاما ، تعمق الوعي لدى جماهير الشعب الفلسطيني أن «الوطن القومي اليهودي» هو وليد السياسة البريطانية ، وأداة من أدواتها الاستعمارية ، كما تكرس الاقتناع باستحالة استتباب الأمن في البلاد ، ما دام فيها شعبان متنافران ، أحدهما يدافع عن بلده ، والآخر يريد اغتصابها.
وكان طبيعيا ، على أرضية الواقع الفلسطيني ، أن يحدث هذا التحول فرزا داخل الحركة الوطنية متأثرا بالبنية الاجتماعية للشعب الفلسطيني ، وبالتالي بمقدار استعداد الفئات المتعددة داخله لتحمل تبعات النضال المتوجب على احتدام التناقض المتولد عن الجمع بين الانتداب والاستيطان وأهالي البلد الأصليين. وإذ كانت القوى